كاريكاتير | النظام الجزائري ومسرحية العدو الخارجي.. بين الهلوسة والوسواس القهري

يبدو أن النظام الجزائري قد أتقن فن الترويج لأسطوانة “العدو الخارجي” منذ ولادته على أنقاض الاستعمار الفرنسي… ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، تعيش السلطة الحاكمة في الجزائر على تكرار هذه الرواية المتهالكة التي لم تعد تقنع حتى أكثر أنصارها إخلاصًا. المغرب، فرنسا، إسرائيل، الإمارات، وحتى الولايات المتحدة، كلها أسماء في لائحة طويلة من “المتآمرين” الذين تدّعي السلطة أنهم يستهدفون الجزائر.

في الواقع، أصبح هذا الهوس بنظرية المؤامرة أشبه بوسواس قهري مُزمن يعكس إفلاسًا سياسيًا، وانفصالًا كاملاً عن الواقع… فمنذ 1962، تاريخ التأسيس الرسمي للجزائر كمقاطعة فرنسية بشمال إفريقيا، ظل النظام العسكري الحاكم فيها يعتمد على خطاب “المؤامرة الخارجية” كوسيلة لتوحيد الجبهة الداخلية وتبرير فشله في تحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية.

هذا النمط ليس عشوائيًا، بل هو استراتيجية مقصودة لصرف الانتباه عن المشاكل الحقيقية التي تعاني منها الجزائر، مثل الفساد المستشري، انهيار الاقتصاد، ندرة المواد الغذائية، وغياب الحريات.

  • المغرب كعدو دائم: أي تحرك مغربي يُفسر على أنه “مؤامرة” ضد الجزائر، سواء كان ذلك فتح قنصلية أو توقيع اتفاقية اقتصادية مع دولة ما. الخطاب الإعلامي الرسمي يصوّر المغرب على أنه “الشيطان الأكبر” رغم أن الواقع يوضح أن الرباط مشغولة بمشاريعها التنموية وبناء تحالفاتها الاستراتيجية، بينما النظام الجزائري هو الذي -وعلى مدار أزيد من 50 سنة – يعمل على استهداف الوحدة الترابية للمملكة، محتضنا شرذمة من المرتزقة الانفصاليين وداعما لمشاريع تقسيمية بالمغرب.
  • فرنسا وإرث الماضي: كلما احتدم الوضع الداخلي في الجزائر، تتهم السلطات باريس بالتآمر. حتى عندما دعت فرنسا مؤخرًا إلى تخفيف التوترات الإقليمية، تم تأويل ذلك في الإعلام الجزائري كجزء من “مخطط استعماري جديد”.
  • إسرائيل والإمارات: أي اتفاق إقليمي يُبرم بين إسرائيل أو الإمارات ودول عربية أخرى يُصور على أنه مؤامرة ضد الجزائر. وكأن العالم بأسره لا شغل له سوى التركيز على الإطاحة بالجزائر.

إن الهوس المتزايد للنظام الجزائري بنظرية المؤامرة يُظهر نوعًا من الوسواس القهري الجماعي الذي جعل الجزائر محط سخرية عالمية. فبدلاً من التركيز على بناء اقتصاد قوي، وتنويع مصادر الدخل، وتحقيق العدالة الاجتماعية، يقضي النظام وقته في حبك القصص عن مؤامرات خيالية.

النظام الجزائري 1 1

هذا الوسواس لا يعكس فقط افتقار النظام إلى رؤية سياسية واضحة، بل يكشف عن هشاشته أمام أي انتقاد داخلي. ففي غياب الإنجازات الحقيقية، لا يبقى سوى افتعال الأزمات وإشغال الشعب بتوجيه اللوم إلى الخارج.

ربما حان الوقت للنظام الجزائري أن يدرك أن العالم لا يدور حوله، وأن نجاح الدول الأخرى ليس بالضرورة تهديدًا له. لكن هل هذا ممكن؟ في ظل عقلية تُفضل العيش في أوهام المؤامرات بدلًا من مواجهة الواقع، يبدو أن أي تغيير حقيقي ما زال بعيد المنال.

في النهاية، الشعب الجزائري وحده هو من يدفع ثمن هذه السياسات المتهورة التي لا تعود إلا بمزيد من العزلة والتأخر… والشعب الجزائري وحده من بيده القرار الأول والأخير لتقرير مصيره وتحرير نفسه من قبضة الاستبداد وإنهاء حكم العسكر لتحقيق التغيير المنشود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى