حميد المهداوي يُبارك علنًا إساءة عمر الراضي إلى الملك والمؤسسات السيادية

ما أن نشر عمر الراضي حلقة بودكاسته مع قناة “مثلث”، حتى سارع حميد المهداوي إلى التعبير عن إعجابه بما جاء فيها قائلا: ” كنت جد موفق برافو” تعليق مقتضب في ظاهره، لكنه يحمل في عمقه دلالات بالغة الخطورة، ليس فقط لأن الراضي أطلق خلال هذه الحلقة تصريحات تمس بشكل مباشر شخص الملك والمؤسسة الملكية، بل لأنه كشف عن شبكة خطابية تُسخَّر فيها “الغيرة على الملك” كأداة انتقائية، تُوجّه ضد خصوم شخصيين، بينما تُسحب تماما حين يكون المُسيء من “المعسكر الأليف”.

image

فالراضي، وبلغة تنضح بالتعالي والتنطع، تحدث عما أسماه “القداسة” التي تُمنع مساءلتها، في إشارة مباشرة إلى شخص الملك، معتبرا أن هذه الرمزية عائق أمام التنمية. وذهب إلى حد تقديم الملكية كحاجز بنيوي أمام الانتقال الديمقراطي، مُسقطًا على المؤسسة أسوأ توصيفات الأنظمة الشمولية. كما سخر ضمنيا من العفو الملكي الذي استفاد منه، مقدما إياه كخطوة عبثية صدرت رغم رفضه طلب العفو، وكأن المؤسسة الملكية تُوزع قراراتها بعشوائية ودون اعتبار للرمزية أو السيادة.

أكثر من ذلك، حمّل الراضي الملك بشكل غير مباشر مسؤولية اختزال الفعل الحكومي، مدّعيا أن الحكومة لم تعد سوى منفذ لمشاريع القصر، في مسعى لخلق قطيعة في المخيال الجماعي بين المواطن والمؤسسة الملكية، وتصويرها كقوة فوقية متغولة تُجهض المبادرة السياسية وتُفرغ الحياة العامة من مضمونها.

فهل هذه هي التصريحات التي يراها حميد المهداوي “موفقة جدا”؟ وهل من يُنصّب نفسه غيورا على الملك، يبارك كلاما بهذه الحدة والعدوانية في حق المؤسسة الملكية؟ أم أن “الغيرة” في عرف المهداوي تُستدعى فقط حين تلتقي مع خصوماته الشخصية؟

الأخطر من ذلك أن الراضي روج خلال هذه الحلقة لأطروحات تصف المغرب بـ”الدولة البوليسية”، وتتهم جهاز المخابرات بالتحكم في الإعلام، بل وذهب أبعد حين اعتبر أن الصحفيين مجرّد “أذرع استخباراتية تنشر نفس المقالات في نفس اللحظة”. فهل حميد المهداوي – الذي يدعي بكثير من الابتذال  والاصطناع احترام المؤسسات وتقدير رؤسائها وتنزيهها عن أي صراعات شخصية – مؤيد لما قاله عمر الراضي ؟

حميد المهداوي، الذي لا يتوانى عن لبس عباءة “الغيور على الملك”، سبق له أن انتفض ضد بعض الأسماء بحجة إساءتهم للملك، وخصص لذلك حلقات ومداخلات ودموعا وانفعالات. لكن المفارقة أن معظم هؤلاء كانوا بالأمس أصدقاءه في خندق “النضال العدمي”، وكانوا يسيئون إلى المؤسسات وهم إلى جانبه، دون أن ينبس ببنت شفة. ولمّا تاب هؤلاء، وبدأوا في فضح المهداوي وكشف تناقضاته، استيقظ فجأة ضمير “الغيرة على الملك” لديه، لا لينتصر للرمزية، بل لينتقم لنفسه!

أما أصدقاؤه الطوابرية – من عمر الراضي إلى سليمان الريسوني – فينالون منه كامل الحصانة، ولو أساؤوا للملك صراحة، ما داموا لا يحرجونه أو لا يكشفون تناقضاته. أيّ غيرة انتقائية هذه؟ وأيّ مروءة مشروطة هذه التي لا تتحرك إلا عندما تُمس المصالح الشخصية، لا الرموز الوطنية؟

بالتصفيق لعمر الراضي، سقط القناع نهائيا عن مهزلة “الغيرة الملكية” التي يرفعها حميد المهداوي شعارا حين يحتاجها، ويُسقطها حين تتعارض مع حساباته. لقد أصبح خطابه مكشوفا، يتاجر بالمقدسات حين يريد تسديد طعنات تحت الحزام، ويصمت عن الإساءة ذاتها حين تصدر عن “رفاقه” في المشروع العدمي الموجه.

المؤسسة الملكية لا تحتاج لمن يتحدث باسمها وفق المزاج، ولا لمن ينتقي المعارك وفق قرب الأشخاص أو بعدهم. فإما أن تكون مدافعا مبدئيا، أو مجرد مُزايد انتهازي، يلوك القيم في حلقاته، ويهدرها على عتبة المحاباة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى