“الموت علينا حق”.. إلا أعضاء الطابور الخامس فهم “خالدون” في بؤسهم الحقوقي

تحلقت ساكنة الحسيمة، أمس الخميس، حول منزل آل الزفزافي في لحظة إنسانية مؤثرة لتوديع أحمد الزفزافي إلى مثواه الأخير بعد صراع مرير مع مرض عُضال لا أضاق الله مرارته لإنسان. الظرفية وبما حملته من مشاعر إنسانية عصية على التصريف بشكل عادي، اقتضت من مسؤولي الوطن أن يمنحوا رخصة استثنائية لناصر الزفزافي كي يغادر السجن لحضور جنازة والده وأخذ عزائه كما يجب.
ورغم فداحة المُصاب الجلل، لم يخجل المترامون قصرا على الحقل الحقوقي- وجلهم إما خارجون عن القانون أو مدانون رسميون في ملفات سابقة- (لم يخجلوا) من “تسليع الألم” بجعله ثغرة جديدة يتسللون عبرها إلى دواليب الدولة لمحاكمتها على قدر يتساوى فيه الغني بالفقير، السجين كما الطليق، السقيم والمعافى.
تلك الأصوات النشاز التي لم تُقم اعتبارا إلى أن المتوفى لم يتقلب بعد في تربته، نصبوا المشانق على أرصفة المنصات الافتراضية، تحضيرا لوضع “رأس” الوطن على مقصلة التكفير لأنه ارتد عن مذهب يُزاوج بين الاستمرارية في الحياة والإفلات من العقاب.
كما هو معلوم، الجنازة في ثقافة المغاربة لحظة جامعة، تتجلى فيها قيم التضامن والتراحم بعيدا عن الحسابات السياسية. غير أن توفيق بوعشرين الذي لم تهتز أركان سكينته وهو يقتل نطفة جنين في أحشاء أمه، لم يفوت الفرصة للمتاجرة بالآلام فجيعة على حين غرة، محاولا توظيف وفاة أحمد الزفزافي كحدث يجر عبره الدولة إلى مربع المواجهة والتهييج، لافتا انتباه ناصر إلى أنه خَبِرَ ، بدوره قسوة الموت بعيدا عن الأحباب، ولعلها العدالة الإلهية التي أبعدته عن أحبائه بعدما اقتلع الحياة من حواس ضحيته وترك أسرتها تائهة بين نظرة المجتمع وتُيم الأطفال.
إن الأفراح والأتراح لحربائية المزاج والطبع والسلوك في مجتمع الحقوقيين المنغلق على بعضه البعض. صعود وسقوط مؤشراتهم في بورصة الأخلاق والقيم تستحق أن يُرفع لها اجتماع عاجل واستثنائي داخل الأمم المتحدة. بينما ضحاياهم هم فقط “أسماء” ضمن أخرى في قوائم “الطريق وما جابت” يأكلون لحمهم نيئا وتُرمى عظامهم الهشة في حضن “المخزن” لا ليَنظر في حالها “قانونا”، بل لتتعقب الجلاد الذي يرى في نفسه ضحية… ضحية نزواته حتما!!
بينما سليمان الريسوني الذي ابُتلي ﺑ “السعاية” “قصد ديور لكبار” كي يُفرغ مكنونات جوفه “العفن” بمناسبة حزينة تقتضي قول طيب الكلام والامتناع عن در الملح على الجراح، تراه اليوم يُساءل المؤسسة الملكية عن ملاك الموت. هل لها أن تمنحه جدول تحركاته ومتى يتربص بالأرواح، وإلى أي منعرج ماضية هي ورقته قبل أن تسقط بقدر مُثبت في اللوح المحفوظ !؟ أتعجب لمن نزع السكينة و “الستر” عن حياة شاب مثلي جنسيا، أن يختزل اليوم الموت والحياة في عفو ملكي لهزيمة مرض السرطان !!
لكن المفارقة أن ناصر الزفزافي، كان أول من وضع حدا لهذا العبث، عندما حرص على أن تمر مراسم وداع والده في أجواء إنسانية بعيدة عن أي استغلال. وهنا تتجلى دلالات موقفه: فهو أبلغ رد على كل من كان يراهن على الركوب على هذه اللحظة. ورفض تحويل مأساة أسرية إلى ذريعة لتصفية حسابات مع الدولة. وهو في الوقت ذاته رسالة إلى من يُنصبون أنفسهم كأوصياء على الحقيقة بأن “من يزرع العاطفة الخبيثة يحصد العاصفة”.
الزفزافي الذي انتصر لرشده الوطني، أدرك بحكم التجربة، أن هذه الأصوات لا تبحث عن حلول، بل عن إثارة الفوضى واستدامة التوتر، وأنها تُقوّض أي محاولة للتهدئة أو الانفراج القائم حصرا على “لا شيء يعلو فوق مصلحة الوطن بصحرائه وجنوبه وشرقه وشماله وغربه.”
.



