تصريحات بن قرينة تكشف توجه الجزائر نحو تسليم تندوف إلى البوليساريو لإقامة جمهورية الوهم

أبدى عبد القادر بن قرينة، رئيس حزب «البناء الوطني» الجزائري ذي التوجه الإسلامي الشعبوي، مؤخراً موقفه من مستقبل جبهة البوليساريو الانفصالية. وأوضح أن إقليم تندوف لم يعد مجرد ولاية جزائرية، بل أصبح كياناً قائماً بذاته، مجاوراً للجزائر وتحت إدارة قيادة الانفصاليين.
جاء ذلك خلال ندوة صحفية عقدها الأحد الماضي بعد اختتام الجامعة الصيفية لحزبه، حيث أشار بن قرينة بشكل صريح إلى أن ولاية تندوف خرجت عملياً من سيادة الدولة الجزائرية، وتحولت إلى كيان مستقل على حدود الجزائر بإدارة البوليساريو.
ورغم ولائه المعروف للنظام الجزائري ودعمه المستمر لأطروحاته، لم يكتفِ بن قرينة بتكرار خطاب السلطة الرسمي، بل أيد ما أسماه الرئيس عبد المجيد تبون بـ«التعبئة العامة» الأخيرة، مؤكداً ضرورة الحفاظ على كل شبر من الأراضي الجزائرية.
ولتعزيز وجهة نظره، سرد بن قرينة حدود الجزائر كما يراها: «حدودنا مع تونس، حدودنا مع ليبيا، حدودنا مع مالي، حدودنا مع النيجر، حدودنا مع تندوف، وحدودنا مع المغرب».
إشارة زعيم حزب «البناء الوطني» إلى «تندوف» ككيان مستقل أثارت جدلاً واسعاً، خاصة أنه لم يتراجع عن تصريحاته أو يقدم أي توضيح لاحقاً، ما أثار التساؤلات داخل الجزائر وخارجها.
ويعتبر بن قرينة من المطلعين على كواليس النظام الجزائري، وقد دعم بقوة مرشح النظام عبد المجيد تبون في الانتخابات الرئاسية لعام 2024. ورأى محللون أن الإشارة إلى «دولة تندوف» قد تكشف عن محاولة النظام البحث عن مخرج من عبء دعم البوليساريو الذي أثقل الخزانة الجزائرية وعلاقاتها الدبلوماسية.
تساءل كثيرون بعد تصريحات بن قرينة: هل يمكن أن يكون إنشاء «دولة في تندوف» حلاً للتخلص من هذه الأعباء؟ وصف البعض التصريحات بأنها «قنبلة سياسية»، فيما اعتبر آخرون أنها «بالون اختبار» لفكرة بديلة عن ما يعرف بـ«الجمهورية الصحراوية».
وفي الوقت نفسه، وجه بن قرينة نصائح للفاعلين السياسيين والاجتماعيين في الجزائر، داعياً إلى التحلي بـ«الوضوح» في تقييم الأحداث بعيداً عن المبالغات والاتهامات.
الملفت أن بن قرينة لم يذكر موريتانيا ضمن دول الجوار، رغم امتداد حدود تندوف بما يقارب 500 كيلومتر مع الأراضي الموريتانية، ما يعني أن «دولة تندوف» المزعومة ستفصل الجزائر عن موريتانيا، لتصبح الأخيرة على تماس مباشر مع الكيان الجديد.
تصريحات بن قرينة لم تحظَ بأي رد رسمي، سواء من السلطات أو وسائل الإعلام المحلية، لكن مواقع التواصل الاجتماعي شهدت غضباً واسعاً، حيث طالب بعض المعلقين بمحاكمته بتهمة «المساس بالوحدة الترابية»، في حين اعتبر آخرون أن الأمر مجرد «زلة لسان».
ورغم خطورة انتقاداته، أبرز بن قرينة نقاطاً محرجة للنظام، منها تضليل الرئيس تبون منذ 2020 بأرقام وهمية لم يتحقق منها، مثل ادعائه في الأمم المتحدة عام 2023 أن الجزائر تنتج 1.3 مليار متر مكعب يومياً من مياه البحر المحلاة، وهو رقم خيالي أثار موجة سخرية دولية. كما اتهم وزير الخارجية أحمد عطاف بالتصرف بشكل فردي وإقصاء الأحزاب السياسية من العمل الدبلوماسي، مؤكداً أن الوزارة أصبحت «مجرد إدارة لتوبيخ الدبلوماسيين المعتمدين».
ومع كل الانتقادات، يبدو أن ما أثار أكبر اهتمام هو ما وصف بـ«قنبلة تندوف». الأيام والأسابيع القادمة قد تكشف ما إذا كانت الجزائر بالفعل مقبلة على إعادة النظر في حدودها.



