أبو بكر الجامعي يحوّل القضايا الوطنية الكبرى إلى “لعب الدراري”
يبدو أن أبوبكر الجامعي قد اختار، مرة أخرى، أن يسبح عكس التيار وأن يخالف الإجماع الوطني حول القضية الأولى للمغاربة، وذلك بالاستعانة بخليط من الانتقائية والتهويل والادعاءات المضللة.
فالرجل لا يكتفي بإبداء رأي مخالف، وإنما يحوّل كل موضوع إلى مناسبة لتقزيم إنجازات بلاده والتشويش على الحقائق الموثقة والحجج الدامغة، مستندًا إلى خيالات مزاجية أو سرديات شخصية تستخدم أسلوب «قيل لي» و «سمعتُ»، كما لو أن ملفات الدولة ومصائر الشعوب استُسهلت لدرجة أنها صارت تُناقش في “لايفات” السكارى و العرابدة ونفر من اليسار.
الجامعي وبعد أن سبق له اتهام الدولة بعدم جديتها في مشروع الحكم الذاتي و تجاهله العمدي للمنتظم الدولي الذي يصفه بـ”الجاد والموثوق والواقعي”، بل وذهب أبعد من ذلك قائلا أن المغاربة من حقهم اعتبار الصحراء غير مغربية، هاهو ذا يعود للثرثرة مجدداً و إطلاق كلام فيه كثير من ضيق النظر بعد أن اقترب المغرب من طي هذا الملف إلى الأبد إبان قرار مجلس الأمن رقم 2797 يوم 31 أكتوبر المنصرم.
أبو بكر الجامعي، و حينما اصطدم بقرار مجلس الأمن الحاسم بشأن الصحراء المغربية، وحين استعصت عليه الإجابة و انعدم لديه ما يعلق به على هذا الإنجاز الدبلوماسي و هذا الفتح المبين، عاد ليلوّح بسيناريوهات غير واقعية، مستحضراً قضية فلسطين وعلاقتها بالتطبيع المغربي-الإسرائيلي وغيرها من المواضيع التافهة لا لشيء سوى لتشويه النقاش نحو مستنقع الفراغ و العبث و الالتباس مع تحويل كل الانتصارات الوطنية إلى مادة للجدل.
و بكل وقاحة و حُمق، وضع أبو بكر الجامعي دم طفل فلسطيني في كفّة، ووضع قضية الصحراء المغربية في كفّة أخرى، وهو تصرف يكشف عن انزلاق أخلاقي و فكري واضحين، فالخلط بين دماء الفلسطينيين وبين مسألة الوحدة الترابية للمملكة بالإضافة لكونه خطأ في التقدير، هو تهور يتجاوز حدود النقد المنطقي.
مدير جريدة “لوجورنال” السابق، أبدع في تفريغ القضية الوطنية من قدسيتها و حوّلها إلى أداة للمزايدة الإعلامية، في نية منه لإظهار نفسه في منبر أسمى من كل المحللين والخبراء والمتخصصين، بينما الحقيقة الثابتة ستبقى جلية لدى كل المغاربة، ملكاً و شعباً، والتي تجعل من الدفاع عن فلسطين جزءًا من نبض المغرب وليس نقيضًا لتمسّكه بأرضه ووحدته.
كان يكفي أبو بكر الجامعي مجرد نقرة زر كي يضطلع على التقرير الأخير للجنة القدس، والتي يرأسها الملك محمد السادس، حيث أكد أن وكالة بيت مال القدس الشريف، الذراع التنفيذي للجنة، حققت إنجازات مالية تجاوزت 13,8 مليون دولار بين دورتي القمة الإسلامية (2019-2024)، مستهدفة تحسين الظروف المعيشية للساكنة المقدسية عبر مشاريع اقتصادية واجتماعية وسكنية وتعليمية وثقافية، موضحا أن هذه المشاريع ساهمت في دعم صمود المقدسيين، وصون الهوية الحضارية للمدينة، وتعزيز التعايش السلمي بين أتباع الديانات الثلاث، وفتح باب الحوار المبني على الاحترام المتبادل.
ولا غرابة أن تصدر مثل هذه الادّعاءات عن ناشط حقوقي “شكلي”، أنهكه النسيان وفقد بريقه في الساحة الإعلامية، فخرج بهذه السخافات على أمل أن تنتشله من زوايا العتمة وتعيده للواجهة، ساعيا من خلالها لنيل نصيبه من تصفيقات العدميين أمثاله، ومن القاطنين في قصر المرادية و رعاياهم.
وليست هذه المرة الأولى التي يسقط فيها أبو بكر الجامعي أخلاقياً، فله سجل طويل من التصريحات المثيرة للجدل التي توظف الإعلام لإثارة البلبلة والشوشرة، آخر هذه السقطات كانت تصريحاته العنصرية تجاه الأمازيغ على منصة “ديسكورد”، والتي كشفت عن ميول منحازة وعن قلة احترام للتنوع الثقافي في المغرب.
وللجامعي نقول، ستظل الصحراء في مغربها و المغرب في صحراءه و سيظل خطابك مثالاً صارخاً على تلاعب الوصوليين بالقضايا الوطنية الكبرى لمصالح شخصية أو مكاسب آنية.. فلا أنتم خلّصتم فلسطين و لا أنتم حررتم الصحراء.



