الإرهاب لا يولد من فراغ.. وهكذا يتم تفريخ الإرهابيين على يد دعاة التطرف !

لم يعد الإرهاب في المغرب ظاهرة معزولة مرتبطة فقط بالخلايا الموالية لتنظيمات إرهابية التي تخطط في الظلام، بل هو نتيجة مباشرة لخطاب تحريضي يتغذى على الكراهية والتطرف، ويجد له منصات متعددة تتراوح بين الأحزاب السياسية الراديكالية، والجماعات الدينية المتشددة، وصولا إلى اليساريين المتطرفين وأبواق التحريض الإعلامي على اليوتيوب. هؤلاء جميعهم مسؤولون عن خلق بيئة خصبة للفكر الإرهابي، وتحويل الشباب المتحمس إلى قنابل موقوتة مستعدة للانفجار.

يعتبر عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، من بين أكثر الشخصيات التي أسهمت في ترسيخ الفكر المتطرف في الحياة السياسية المغربية. الرجل الذي ادّعى مرارا نبذه للعنف، لم يتردد في التصريح علنا بضرورة “تربية الأبناء على الجهاد”، متناسيا أن مثل هذه الخطابات كانت شرارة لتجنيد آلاف الشباب للقتال في بؤر التوتر مثل سوريا والعراق. فهل هناك دعوة أوضح لتبرير العنف من هذه التصريحات؟

بنكيران يستغل شعبيته بين فئات معينة من المجتمع لتمرير خطابات تتلاعب بالمشاعر الدينية، مستخدما الدين كأداة سياسية، ومؤججا العواطف عبر استدعاء مفاهيم مثل “الجهاد” و”المقاومة”، والتي تحولت في أيدي المتطرفين إلى دعوات صريحة للعنف والإرهاب. هذه التصريحات ليست زلات لسان، بل استراتيجية ممنهجة لتأجيج الصراع وزرع بذور التطرف.

أما جماعة العدل والإحسان، فلطالما لعبت دورا مزدوجا بين خطاب علني يتظاهر بالاعتدال، وآخر خفي يزرع بذور التطرف في العقول. حسن بناجح، أحد أبرز وجوه الجماعة، ليس سوى مثال على هذه الازدواجية. فبينما يدّعي رفضه للعنف، لا يتوانى عن تأييد العمليات الإرهابية تحت غطاء “المقاومة”، مشجعا الشباب المغاربة على اعتبار الإرهاب وسيلة مشروعة.

خطاب العدل والإحسان ليس بعيدا عن مفاهيم التكفير والجهاد، وهو ما يجعلها ممولا فكريا رئيسيا للجماعات الإرهابية. هذه الجماعة، التي تدّعي محاربة الفساد والاستبداد، تتحول في الحقيقة إلى حاضنة للأفكار المتطرفة، مغلفة بعبارات براقة حول الحرية والعدالة.

ليس الإسلاميون وحدهم من يروّجون للتطرف، فاليسار أيضا لم يعد بعيدا عن مستنقع التشدد. فنبيلة منيب، التي يُفترض أنها تمثل توجها حداثيا، كشفت عن حقيقتها عندما دعت من داخل البرلمان إلى “تجنيد الأئمة وحث المغاربة على الجهاد في فلسطين”. هذه التصريحات الصادمة لا تختلف عن أسلوب الجماعات الإرهابية التي جندت الشباب للقتال في أفغانستان وسوريا والعراق وغيرها من مناطق التوتر، وهي دعوة صريحة لتصدير الإرهاب تحت شعار القضية الفلسطينية.

فما الفرق بين تصريحات منيب وبين خطابات الجماعات الإرهابية التي تبرر العنف باسم الدين؟ هل يمكن لشخص يطالب بتجنيد الشباب للقتال أن يدّعي أنه ضد الإرهاب؟ إنها ازدواجية أخرى تفضح كيف أن التطرف لم يعد حكرا على تيار بعينه، بل بات فيروسا يتسلل حتى إلى الخطاب اليساري.

وإذا كان هناك مثال حي عن خطورة الخطاب التحريضي، فهو الإرهابي السابق محمد حاجب، الذي يحاول اليوم ارتداء قناع “المناضل الحقوقي” عبر قناته على اليوتيوب. حاجب، الذي انخرط في النشاط الإرهابي، لا يزال يبث سمومه عبر منصات التواصل الاجتماعي، محرضا على الدولة المغربية، ومشككا في كل العمليات الأمنية التي تستهدف الإرهاب.

هذا الشخص، الذي عاش تجربة الإرهاب في أفغانستان وسجن بسببها، لم يتب ولم يتراجع عن أفكاره المتطرفة، بل وجد في اليوتيوب منصة جديدة لنشر العنف وإثارة الفوضى. ورغم كل الأدلة على تورطه في الإرهاب، لا يزال يتمتع بحماية دول تحت ذريعة “حرية التعبير”، وهو دليل آخر على ازدواجية المعايير الدولية في التعامل مع خطاب الكراهية.

والأدهى أن الإعلام المتطرف أصبح اليوم وسيلة فعالة لنشر الفوضى والتشكيك في مؤسسات الدولة.

حميد المهداوي، الذي يدّعي أنه صحفي، ليس سوى بوق للتحريض والتشكيك في الأمن المغربي، بينما هشام جيراندو (صاحب صفحة “تحدي”) حول قناته إلى منصة لبث العداء والتحريض على الدولة.

المهداوي، الذي يُفترض أنه يعارض التطرف، لم يتردد في تبرير الدعوة إلى اغتيال المفكر أحمد عصيد، مما يعكس تناقضا خطيرا في خطابه. فكيف يمكن لشخص يزعم محاربة الإرهاب أن يبرر تصفية معارضيه؟ إنه نموذج فجّ للإعلام المتواطئ مع الإرهاب، والذي يتحول من ناقل للمعلومة إلى محرض مباشر.

أما هشام جيراندو، فقد أصبح رمزا لخطاب الفوضى والتضليل، حيث يحاول إيهام متابعيه بأن كل عمليات تفكيك الخلايا الإرهابية في المغرب هي “مسرحيات مفبركة”، في محاولة لضرب الثقة بين المواطنين وأجهزة الأمن. هذه الأكاذيب ليست مجرد “رأي”، بل تحريض مباشر على الفوضى، وتشجيع للإرهابيين على المضي قدمًا في مخططاتهم.

إذا كان المغرب قد نجح أمنيا في تفكيك عشرات الخلايا الإرهابية، فإن التحدي الأكبر لا يزال قائما وهو تجفيف منابع التحريض والتطرف. ولا يمكن القضاء على الإرهاب دون مواجهة منابر التحريض التي تبث سمومها يوميا عبر اليوتيوب، ومن داخل الأحزاب السياسية، وعبر الجماعات الراديكالية.

التحريض على الإرهاب لم يعد يقتصر على المساجد السرية أو الجماعات الجهادية في الكهوف، بل أصبح متاحا عبر قنوات اليوتيوب وصفحات الفيسبوك، في خطابات السياسيين، وفي تبريرات الصحفيين المزعومين. هؤلاء جميعهم شركاء في الجريمة، ويجب أن يخضعوا للمحاسبة بنفس قدر من ينفذ العمليات الإرهابية.

إن معركة المغرب ضد الإرهاب لا يجب أن تكون أمنية فقط، بل فكرية أيضا. يجب أن نواجه دعاة الفتنة كما نواجه الإرهابيين، لأن الفرق بين من يضع القنبلة ومن يبررها مجرد تفاصيل. المغرب بحاجة إلى موقف صارم تجاه كل من يحرض على الإرهاب، مهما كانت خلفيته، ومهما حاول الاختباء وراء شعارات حقوق الإنسان أو حرية التعبير.

لا يمكن التسامح مع من يبرر العنف، ولا مع من يشكك في جهود الدولة ضد الإرهاب، ولا مع من يسعى لضرب الثقة بين المواطنين وأجهزتهم الأمنية. هؤلاء هم الحاضنة الفكرية للإرهاب، وهم من يجب أن يكونوا في مرمى المحاسبة قبل أن يحولوا المغرب إلى ساحة فوضى وعنف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى