ترياق السموم: قراءة متأنية لخطاب النفي وواقع اصطفاف سليمان الريسوني مع خصوم المغرب (كاريكاتير/تدوينة)

حينما وجد نفسه في قلب الجدل، لجأ سليمان الريسوني إلى أسلوب القسم والنفي القاطع لأي علاقة له بجهات خارجية تتربص بأمن المغرب واستقراره. غير أن المتابع المدقق لخربشاته الفايسبوكية ولسياق خطابه المتكرر، يدرك أن هذا النفي لا يُلغي طبيعة الاصطفاف الذي اختاره الرجل منذ أن غادر السجن بعفو ملكي كريم، حيث تتقاطع كتاباته حرفيا مع الحملات الدعائية التي تستهدف المملكة، وتصب في خدمة أجندات لا تريد لهذا الوطن سوى التشويش وتفكيك لُحمته.
إن القَسَم في الخطاب “العدمي” عادة ما يكون ملاذا “اضطراريا” لمن استنفد رصيده من المناورات والمكائد. فالمؤسسات والأشخاص الواثقون من مواقفهم لا يحتاجون إلى المبالغة في التبرير أو التوسل باليمين، لأن أعمالهم وسلوكياتهم كافية لتوضيح الصورة. وفي حالة الريسوني، فإن القسم لم يعد سوى أداة خطابية لرأب الصدع بين ما يُعلنه من براءة وما يُثبته سجله التحريري من انخراط واضح في مسار التشويش على الثوابت الوطنية.
منذ سنوات، لم يكل ولم يمل سكير تونس “الخضراء” من تكرار سرديات تتطابق مع ما تبثه بعض المنابر الإعلامية الأجنبية المعروفة بعدائها للمغرب. سواء تعلق الأمر بملف حقوق الإنسان، أو بتصوير الملفات الاجتماعية بشكل مضخّم، أو حتى محاولة التشكيك في نزاهة المؤسسات الأمنية والقضائية مُمثلة في رجالها، فإن اللغة المستعملة والمضامين المُروجة تلتقي بشكل لافت مع خطاب المنابر الممولة من الخارج. هذا التلاقي ليست صدفة بل هو انعكاس لخط متعمد يساهم في إعادة إنتاج نفس الرسائل التي يريد خصوم الوطن تكريسها كواقع “وطني” لا يتنامى إلا في مخيالهم الخبيث.
إن ذاكرة التاريخ السياسي والإعلامي للمغرب تحتفظ لنفسها بأن جل الحملات الخارجية لم تكن لتنجح لولا اعتمادها على أصوات محلية تُستعمل كـ “واجهة داخلية” لإضفاء المصداقية على روايات مغرضة. منظمات وهمية، شخصيات سياسية هامشية، ثم بعض الصحافيين المغمورين الباحثين عن دور حاسم، جميعهم استُخدموا في مراحل مختلفة كأدوات داخلية في حرب ناعمة تستهدف استقرار البلاد. الريسوني لا يشذّ عن هذه القاعدة، بل يمثل نموذجا صارخا- وبوعي منه- لضرب الوطن بأبنائه انطلاقا من تونس، بلد الاستقرار “المؤقت” ثم بلاد الكابرانات من حيث تتدفق التعليمات ومُقابلها المادي السخي، وصولا إلى إسبانيا التي تُذيب “السموم” في الكأس وتُناولها له ولرفاقه حتى يضمنوا لها ترويجا أوسع.
وهنا يتدخل رواد المنصات الاجتماعية لإماطة اللثام عن هذا التوجه المفضوح من خلال تعداد حجم التناقضات في قول وفعل سليل آل الريسوني حينما صرح ذات تصالح نادر مع الذات: “إيلا ما لقيتش اللي بغيت في البلاد غنضبر على راسي برا”. والحال ذاك، لا نفهم منه إلا يقينا يُغذيه ابتزاز واضح للوطن إن لم يستجيب لأهواء خريج السجون وبوأه مكانة اجتماعية ومهنية رفيعة رغم أن يداه لا تزال ملطخة بعار اغتصاب شاب مثلي.
قد يدّعي البعض أن ما يكتبه صائد الغلمان يندرج في إطار حرية الرأي والتعبير، غير أن الحرية حين تتحول إلى مطية لنسخ خطاب خارجي عدائي، فإنها تفقد مشروعيتها الأخلاقية، وتصبح مشاركة غير مباشرة في محاولات هدم أركان السيادة الوطنية. إن التاريخ لا يرحم، وسيحتفظ دائما بأن ثمة أصوات داخلية فضلت الاصطفاف مع خصوم المغرب بدل الدفاع عن مصالحه العليا.
وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نلفت نظر المثلي السكير إلى أن القَسَم الكاذب لا يحمي صاحبه من مساءلة التاريخ. وسليمان الريسوني، بمحاولاته المتكررة لنفي أي صلة له بأجندات خارجية، إنما يكشف حجم المأزق الذي يعيشه، حيث لم يعد أمامه سوى الحلفان بأغلظ الأيمان لإخفاء حقيقة الاصطفاف. لكن الحقيقة كما نعيها نحن ويصم أذانه هو عنها تجعل الوطن يُصبح ويُمسي حامدا شاكرا العلي القدير على رباطة جأشه ورجاحة عقله وحكمته في تصريف الطعنات تحت مقصلة القانون.



