الجزائر تتبنى مواقف “غريبة” بعد سقوط نظام بشار الأسد

مع توالي الأحداث التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط حديثا، و بالضبط الجبهة السورية تحديدا حيث تراكم قوات الثوار انتصاراتها قصد الإطاحة بنظام بشار الأسد الذي عمّر لقرابة 24 سنة في السلطة، تباينت ردود الأفعال من لدن دول المعمور، إذ تجلت غالبيتها بين مساند للجهة المعارضة أو اتخاذ مبدأ الحياد على أقل تقدير.
إلا أن بلاد الجنرالات و لأنهم عبارة عن مجموعة من الأميين دبلوماسياً و لا يتوفرون على بعد نظر في ما يخص العلاقات الدولية، ارتأت إظهار تضامنها المطلق و اللامشروط مع بشار الأسد و نظامه ضداً عما عبّرت عنه غالبية البلدان عربية كانت أو غربية.
الجزائر ببلاغها الرسمي الذي حذف لاحقاً، واصلت سياسة توريط نفسها واضعة شعبها في موقف لا يحسد عليه أمام بقية أفراد المجتمع العربي، حيث انهالت عليهم الانتقادات منذ أيام بسبب دعمهم لرئيس عربي متهم بارتكاب جرائم وحشية في حق رعيته (قصف بأسلحة كيماوية، نزوح، تعذيب، اعتقالات تعسفية).
مساندة الجزائر للرئيس السوري بشار الأسد و هو الذي حول بلاده لميدان خاص بالصراع الطائفي و استحلها لصالح مرتزقة فاغنر الروسية و مليشيات حزب الله اللبنانية و القيادات الإيرانية، يمكن اعتبارها فشل دبلوماسي ذريع ينضاف للإخفاقات السابقة التي جنتها بلاد البترول و الغاز.
عصابة قصر المرادية و بعد أن “كحّلتها”، حاولت تدارك زلتها الدبلوماسية و إصدار بيان جديد يدعو الأطراف السورية إلى الوحدة و السلم لكن بعد فوات الأوان حيث انتشر بلاغهم “الفضيحة” في مواقع التواصل كالنار في الهشيم و علِم العرب مع من حشرهم الله في الجوار حسب تعبير الملك الراحل الحسن الثاني.
و لأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد أعلن المعارضون اعتقال عدد من مرتزقة جبهة البوليساريو الذين أرسلهم العسكر الجزائري للقتال إلى جانب الجيش السوري التابع لنظام حليفه بشار الأسد و هو ما اعتبره بعض المراقبين حدثا ستكون له تبعات وخيمة على الجزائر كما يبين أن المنتظم الدولي في واد و هذه الأخيرة في واد آخر.
في ذات الوقت قرّر معارضون آخرون رفع علم المغرب و صور الملك محمد السادس للإشادة بدور المملكة المغربية في الوقوف إلى جانب الشعب السوري وفق مبادئ ثابتة منذ البدايات الأولى لاندلاع هذه الأزمة و ما زيارة الملك محمد السادس لمخيم الزعتري للاجئين بالأردن سنة 2012 و تدشين مستشفى ميداني لفائدتهم، إلا دليل واضح على الاهتمام المغربي بالشأن السوري.
الأخطر من ذلك، أن عصابة العسكر جرت إلى صفها دولة شقيقة أخرى كانت تصنف إلى وقت قريب أنها رائدة الديمقراطيات العربية، الحديث هنا عن تونس التي أمست بقيادة الدكتاتور قيس سعيد، و يا للأسف، مقاطعة جديدة للجزائر يتحكم الثنائي تبون و شنقريحة في حاضرها و مستقبلها.
دولة “العالم الآخر”، واصلت كذلك إحراق كل أوراقها إن لم نقل “أبواقها” و لعل أشهرهم المعلق الرياضي حفيظ دراجي الذي دفع به نظام بلاده نحو الهاوية حينما أعلن سابقا أنه في صف بشار الأسد، لا سيما أثناء سقوطه في فخ الصحفية ميسون بيرقدار التي جست نبضه بشجاعة و أبانت للعالم وجهه الحقيقي.
و لأنه استأنس بمبدأ التعليمات، حاول دراجي التدارك هو الآخر و وجد نفسه مرغما على كتابة تدوينة مساندة للمعارضة كي يحافظ على ما تبقى لديه من شعبية، لكنه تجاهل ربما أن للأنترنت ذاكرة و أن كل مواقفه و آراءه السابقة لا تزال موثقة.
ما نستنتجه اليوم من الدرس السوري أن الأنظمة الهشة لا بد لها من زوال و أن الحكام الاستبداديون و الذين يريدون حكم الشعب بالحديد و النار و قمع الحريات وتقييد الحقوق كما يحدث في الجزائر مثلا، ساقطون مهما طال الزمن.