حميد المهداوي و الانتقال السريع من حرفة “الشحّات” إلى منظّر في “الحريات”
حينما نشاهد مداخلة الصحفي حميد المهداوي أثناء حضوره ندوة حقوقية أقيمت بمدينة طاطا قصد فتح النقاش حول أثر الفيضانات على الساكنة و المنطقة، يخيل إلينا من كلامه أننا نعيش زمناً سوداويا بدون أفق و بلا مستقبل و أن التعسف جزء لا يتجزأ من دولتنا.
و لمن يعرف المهداوي جيداً، يعلم أن الرجل “مرفوع عليه القلم” منذ زمن لدرجة يمكن تصنيف خرجاته ضمن خانة “الخرّيف” أكثر من اعتباره كلاماً ناتجا عن صحفي يدري فعلا ما له و ما عليه، حيث أن استخدام مصطلحات مثل “الاستبداد” و “القمع” يعتبر بشكل أو بآخر تحريضاً و دعوة واضحة للعصيان.
المهداوي حاول تحوير النقاش و جر فعاليات الندوة إلى مناظرة تخلق في مجملها انطباعا عاما سلبيا عن الدولة، كما تتجاوز الحوار البناء الذي يحتاجه أي مجتمع للمضي قدما نحو الرقي و الازدهار.
صاحب قناة “بديل” أبى إلا أن يعطي صورة قاتمة عن الوضع الحقوقي بالمغرب وذلك لمجرد رفض السلطات بمدينة طاطا (وهي أدرى بشعابها) الترخيص لإقامة هذا اللقاء في قاعة عمومية.
التحذير من “التراجع” في حرية التعبير بالمغرب، و الإشارة إلى اعتقال الصحفيين مع ترك الغاية الأساسية لموضوع الندوة، كلها انحرافات “مقصودة” من المهداوي يبقى الغرض منها إثارة الجدل و توجيه أصابع الاتهام للدولة بشكل مباشر، زيادة إلى أن “شعبويته” تجاوزت فضاء طاطا بالتطرق إلى مسألة بعيدة كل البعد عن محور اللقاء و هي قضية “إسكوبار الصحراء” التي لا ناقة و لا جمل فيها للسكان المحليين الذين خاب أملهم لما ظنوا لوهلة أنهم فعلا أمام النخبة المثقفة “الحقيقية” التي ستقدم حلولا ملموسة لمشاكلهم و تواسي آلامهم جراء الكارثة الطبيعية التي ألمت بهم.
أكاد أجزم أن هذا “اليوتوبر” لو ألقى نفس الخطاب في دولة غير المغرب خصوصا بعض الدول الإقليمية (حتى لا نذهب بعيداً)، لوجد نفسه ملقىً في غيابات السجن بتهمة زعزعة الاستقرار و التحريض ضد أمن الدولة.
ما تجاهله حميد و هو الحاصل على الماستر في القانون العام مؤخرا، أن الدولة المغربية التي يعيبها اليوم هي من سمحت له بالتعبير عن رأيه بكامل الحرية.. و هي التي أظهرت التزامها بتحقيق إصلاحات ديمقراطية من خلال الدستور الجديد الذي تم اعتماده سنة 2011 و الذي يعتبر تعزيز حقوق الإنسان والحريات العامة من أهم مرتكزاته، الشيء الذي يعد خطوة مهمة نحو تحقيق مجتمع أكثر انفتاحاً.
و إننا لنستغرب كذلك “العمى” الذي أصيب به المهداوي حينما تتدفق علينا يوماً بعد آخر صور و مقاطع فيديو لآلاف المغاربة في مسيرات و وقفات تضامنية مع القضية الفلسطينية و في شتى أنحاء البلاد ناهيك عن ترديد الشعارات و رفع اللافتات في ملاعب كرة القدم لنفس الغرض دون التعرض لأي مضايقات أو ضغوط و هي الصورة التي تشكل استثناءا في مجمل الدول العربية لا تراها سوى في المغرب في تعبير جلي للمستوى الذي بلغته الحريات ببلدنا.
أي نعم هنالك تحديات تصادف الدولة باعترافها هي نفسها، لكننا نتساءل لماذا هذا الإصرار الشديد من المهداوي على تبني أطروحة النصف الفارغ من الكأس ؟ أليس هذا ابتزازا لمؤسسات الدولة خصوصا السلطة القضائية و هو المتابع بقضايا تشهير و سب و قذف علنيين ؟.
خلاصة القول فإن التركيز فقط على السلبيات واتهام الدولة بالتسلط و الطغيان مع إهمال للجهود المبذولة في تحقيق الإصلاحات، يمكن اعتبارها “أنانية” مقيتة و أهدافها معلومة تتماشى في تطلعاتها للأسف الشديد مع الاستراتيجية التي يروم بها أعداء هذا الوطن النيل منه.