عبد الصمد بلكبير: جيل Z صناعة إديولوجية تخدم الرأسمالية لا حركة اجتماعية

يقدّم الكاتب والمحلل السياسي عبد الصمد بلكبير قراءة عميقة للحركات الاحتجاجية الشبابية في المغرب، مُركّزًا على جيل الشباب الذي يقف وراءها.

ويربط بلكبير هذه الحركات، التي يصفها بـ”حرب العصابات المدنية”، بنسخة سابقة هي “20 فبراير”، ويرفض بشدة فكرة عفويتها، مؤكدًا أنها “لا شيء ياتي من لا شيء” وأنها نتيجة “تدبير وتهيئة”.

ويُشكك بلكبير في مفهوم “الحركة الجيلية” أو “جيل Z” من منظور علم الاجتماع، واصفًا إياه بأنه “مفهوم مغالط وفضلاً على أنه ملتبس وغير مطابق للواقع”.

ويرى أن تعريف الشباب يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، مشيرًا إلى أن الشاب في البادية قد يكون متزوجًا ولديه أطفال ويعمل، بينما في بعض الفئات المستحدثة في المجتمعات الحديثة، يكونون أقرب إلى الأطفال من الشباب، بسبب التربية المفرطة في التدليل والبعد عن تحمل المسؤولية.

ويربط بلكبير هذا النمط من التربية بظاهرة “البرجوازية الطارئة” أو “حديثة النعمة” في العالم الثالث، التي يعاني أبناؤها من “عقدة الحرمان” التي أشار إليها الملك الراحل الحسن الثاني. هذه الفئات، التي عاشت حرمانًا في طفولتها، تبالغ في تدليل أبنائها، مما يؤدي إلى امتداد الطفولة إلى زمن الشباب، وغياب التربية القوية والحرية شبه المطلقة.

ويرى بلكبير أن هذا التصنيف العمري “مضحك” من الناحية التاريخية والسياسية، تمامًا مثل التصنيفات القبلية أو العشائرية أو الطائفية. فالمحرك الأساسي للتاريخ، منذ تأسيس الدولة وبداية السياسة، هو “الصراع الاجتماعي الطبقي” و”الصراع ذو الطبيعة العالمية أو الأممية الناتج عن الاستعمار”. ويضيف: “هذه الأطروحة ديال الجيل هي صناعة إيديولوجية ماشي علمية وغير واقعية”.

ويتناول بلكبير مشكلتي التعليم والصحة، معتبرًا أنهما مشكلتان عالميتان لا تقتصران على المغرب. ففي التعليم، لا توجد دولة في العالم ليس لديها مشكل، لأن التعليم موضوع إنساني معقد جدًا. وفي الصحة، رغم توفر الأطباء والأجهزة في أوروبا، فإن الوضع الصحي للمواطنين أسوأ بسبب “خصخصة” هذه القطاعات وتحويلها إلى “سلعة بضاعة تخضع لقانون العرض والطلب”.

بالنسبة للمغرب، يرى بلكبير أن العطب الكبير في التعليم يكمن في خضوعه “لمنطق الأمن وإدارة التراب الوطني” ومشكلة اللغة. ويؤكد أن الفاعلين الحقيقيين وراء هذه المشاكل ليسوا الحكومات والبرلمانات، بل “البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والدولار كعملة حاكمة للنظام العالمي”، مدعومين بـ”الحلف الأطلسي والمخابرات الأمريكية”. هذه القوى تفرض “الليبرالية المتوحشة” وتجعل التعليم والصحة “سلعًا” تخضع للتمييز الطبقي.

ويشير بلكبير إلى أن الخصخصة ليست مشكلة الدولة المغربية وحدها، بل هي شرط تفرضه المؤسسات المالية الدولية. وفي مجال الصحة، يرى أن البرنامج الصحي الحالي يهدف إلى تقسيم الاستجابة الصحية حسب الواقع الاجتماعي والطبقات، مع رهان خطير على تحويل المغرب إلى مركز صحي لأفريقيا وأوروبا، مستغلًا رخص الخدمات الطبية مقارنة بأوروبا.

يؤكد بلكبير أن المشكل الرقم واحد في شعوب العالم الثالث هو “الاستعمار”، وهو استعمار “جديد” لا يطرحه جيل 20 فبراير. يرى أن هذا الاستعمار لا يعاني منه فقط الشعوب الضعيفة، بل حتى الاتحاد السوفيتي تعرض لتحطيم من قبل الرأسمالية الأمريكية.

ويعتبر أن النظام الرأسمالي العالمي وفروعه المحلية يعتبر “اليسار” هو العدو الرئيسي. فتوظيف الدين سياسيًا، كما يحدث في الإسلام السياسي، لا يشكل خطرًا على النظام الرأسمالي، بل يخدمه. ويؤكد أن اليسار الاشتراكي، وبالخصوص اليسار الجديد الذي تبنى فكرة الاشتراكية العلمية، هو المستهدف من قبل النظام.

يرى بلكبير أن الهدف الكبير في المنطقة هو “وحدة المغرب العربي”، معتبرًا أنها “شرط ضروري” لحل مشاكل تونس وليبيا والجزائر وموريتانيا والمغرب. ففي ظل كيان يضم أكثر من 100 مليون نسمة وسوق بدون حدود، يمكن حل العديد من المشاكل المتعلقة بالصحة والتشغيل.

ويشير إلى أن “حزب فرنسا” في الجزائر والمغرب هو المستفيد من إبقاء الحدود مغلقة، حيث يستفيدون من مداخل التهريب على حساب الشعبين والدولتين.

ويعيب بلكبير على حركات مثل 20 فبراير وحركات اليوم، افتقارها إلى “قيادة معروفة” وكونها “راية عمياء” لا تعرف من أين أتت، مما يوحي بوجود “قيادة في اللور” أو “في الخارج”. ويرى أن هذه الحركات تخدم مصالح رأسمالية كبرى خارجية، في إطار صراع بين الرأسمالية الأمريكية والأوروبية (الفرنسية خصوصًا) حول المغرب.

يدعو بلكبير إلى “الوعي” كشرط لتغيير الواقع، مؤكدًا أن “النقد أما أن يكون كاملاً أو لا يكون”. ويشدد على ضرورة نقد “النظام” و”المجتمع” معًا، وأن التفكيك والحروب ضد الذاكرة والأسرة والأخلاق والقيم كلها من عمل الاستعمار.

ويؤكد بلكبير على أن “الإصلاح ممكن ولكنه صعب”، وأن “الإصلاح ثورة في شروطنا”. ويرى أن النضال يجب أن يتم من خلال “الأحزاب السياسية” و”النقابات” و”العمل الجمعوي”، مع التركيز على قراءة “العلوم التي تفتح العين على معرفة العالم”، وبالخصوص “الاقتصاد السياسي”.

يضع بلكبير “الامل اليقيني” في “القصر الملكي”، مشبهًا الوضع بأيام محمد الخامس والحسن الثاني. يرى أن الملك محمد السادس “يريد الإصلاح” لأنه في مصلحة الملكية. ويؤكد أن “الملكية مكسب مؤكد”، وأن تغيير ميزان القوى في المجتمع سيميل إليه الملك، بشرط أن يرى “حسن نية” من القوى الديمقراطية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى