الحقيقة الناصعة حول واقع الصحراء المغربية و “صاندلستان”

أبو وائل الريفي

خلد المغرب الذكرى 47 للمسيرة الخضراء، وقد كان لافتا أنها تزامنت هذه السنة مع انتصار آخر للمغرب في الأمم المتحدة بعد قرار مجلس الأمن رقم 2654 الذي أصاب البوليساريو ونظام العسكر في مقتل. لقد أصاب هذا الانتصار الدبلوماسي والسياسي الجبهةَ الإنفصالية بالسعار لتوزع التهديدات بدون تفكير في العواقب بالعودة إلى الحرب والتصريح بأنها غير معنية بوقف إطلاق النار الذي وقعته في تسعينيات القرن الماضي، كما جعل الحاكمين في قصر المرادية يصابون بخيبة الأمل وهم يرون الملايير التي ينفقونها تعود حسرة عليهم وهم يتفرجون على الدعم المطلق لمبادرة الحكم الذاتي التي يصفها الجميع بأوصاف تزيد من خيبة تبون وشنقريحة ولعمامرة ومن على شاكلتهم داخل الجزائر وخارجها.

لقد شكلت هذه السنة ذكرى المسيرة الخضراء مناسبة لرصد حصاد كل طرف في هذا النزاع، وهو ما عبر عنه الخطاب الملكي بوضوح وتركيز يلزم التوقف عنده كثيرا من طرف كل المهتمين بهذه القضية في العالم كله. وسيقود هذا الرصد إلى معرفة التناقض الكبير بين طرفي النزاع المفتعل وحصيلة كل واحد بالنظر إلى حجم استثماره وفعالية أدائه وعدالة تبنيه لهذه القضية.

تبرز زاوية النظر والتقييم في الخطاب الملكي لحصاد المغرب منظوره الشامل والمتوازن والمتكامل لهذا النزاع، وحرصه على المزاوجة بين استرجاع الأرض وبين تنميتها دون إغفال تحرير الإنسان وتعليمه وتمكينه من كل عناصر العيش الكريم وباستحضار واع للتهديدات والتحديات التي تحيط بمنطقة الصحراء كلها، وهو ما عبر عنه جلالة الملك حين قال “توجهنا في الدفاع عن مغربية الصحراء، يرتكز على منظور متكامل، يجمع بين العمل السياسي والدبلوماسي، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية للمنطقة”.

قدم المغرب في هذا النزاع شهداء وبذل الكثير من أجل استرجاع ترابه وحمايته، واستثمر بالتوازي في تلك الرقعة الجغرافية من الوطن إعمالا لمبدأ الإنصاف الترابي والتكافؤ اللازم بين كل أبناء الوطن، ولذلك لم تحل الحرب وبعدها الاستفزازات بين المغرب وبين الاستثمار في المنطقة لتنميتها، وهو ما جعلها واحة مزهرة وآمنة مقارنة مع المناطق المجاورة لها في الصحراء، وهو ما يمكن التأكد منه مثلا بمقارنة بسيطة بين المسار التنموي للصحراء المغربية وصحراء دول مجاورة.

خص المغرب هذه المنطقة بنموذج تنموي تمت صياغته بمقاربة تشاركية واستغرق النقاش حوله مدة ليست بالقصيرة حتى يستجيب لانتظارات ساكنة تلك المناطق وتطلعاتها، وأوكل تنفيذه للمؤسسات التمثيلية بحضور جلالة الملك الذي تم التوقيع على مقتضيات هذا النموذج تحت رئاسته في العيون والداخلة، وخصص له غلاف مالي يقدر ب77 مليار درهم، ويتابع إنجازه على أعلى مستوى. هذا بعض من إنجازات المغرب في المنطقة خلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز ست سنوات يتأكد فيها أن الإنجاز قارب 80 في المائة وأن الغلاف المالي يفوق ما يحصله المغرب من ثروات المنطقة بما يؤكد أن مبدأ التضامن والتكامل بين كل أنحاء التراب الوطني حاضر وفق سلم أولويات موضوعي يضع الإنسان كأسبقية قبل أي اعتبار. فما هو الحصاد في الجهة المقابلة؟

في الوقت الذي تتسارع فيه الأشغال في الصحراء المغربية لتأهيلها كجزء من المغرب وربطها بشمال المغرب وجعلها بوابة للقارة الإفريقية وجسرا بينها وبين أوربا، سواء من خلال أشغال الطريق السريع تيزنيت–الداخلة، الذي بلغ مراحله الأخيرة، أو أشغال بناء الميناء الكبير الداخلة–الأطلسي، نلاحظ الفقر في البنيات التحتية الذي يحكم مخيمات تندوف المعزولة عن العالم بما يجعلها سجنا للمحتجزين فيها من طرف البوليساريو بحماية من نظام عسكري يضع الساكنة هناك كرهائن لتلبية أطماع خيالية ظل يتوارثها الكابرانات الحاكمون في الجزائر منذ زمن الثنائية القطبية ولم يتحلوا بالشجاعة اللازمة لمراجعة تلك الاختيارات الخاطئة والواهمة والهدامة لمسار وحدوي يقتضيه الجوار المغاربي.

عرفت الأراضي الصحراوية المسترجعة، من جهة ثانية، مسلسلا ديمقراطيا متناميا أصبح فيه للمنطقة ممثلوها المنتخبون ديمقراطيا بنسب مشاركة مرتفعة بشهادة المراقبين الدوليين الذين تابعوا كل هذه الانتخابات، ولعل هذا ما جعل جلالة الملك يؤكد على أن تنفيذ البرنامج التنموي للأقاليم الصحراوية “تتحمل السلطات المحلية والمنتخبة مسؤولية الإشراف على تنزيل مشاريعه”. وفي الطرف الآخر، لا وجود لانتخابات دورية ومنتظمة وحرة ولا حضور لمراقبين دوليين للتأكد من الطابع التمثيلي لجبهة انفصالية جاثمة على صدور المحتجزين في المخيمات بمباركة من كابرانات قصر المرادية. فلماذا لا يملك قادة البوليساريو الشجاعة لتنظيم انتخابات حرة بحضور مراقبين محايدين؟ هذا تحدي لمن يدعي تمثيلية من هم في الحقيقة محتجزون ومسلوبو الإرادة.

لا تقتصر تنمية الأقاليم الصحراوية في المغرب على تشييد الطرق وتعمير الأرض بل يرافقها مشاريع عملاقة في المجال الصحي والفلاحي والثقافي والتعليمي وتهييء مناخ الاستثمار لاستقطاب القطاع الخاص عكس ما عليه الحال في الطرف الآخر، حيث ما تزال المنطقة تعيش على نظام المساعدات الخارجية والصدقات التي لا تسلم من السرقة وتخضع الاستفادة منها لمنطق المساومة والإذلال، وهو ما شهدت به تقارير دولية أكدت غياب الشفافية في صرف تلك المساعدات وعدم استفادة المعنيين بها مباشرة وخضوعها للاختلاس والتفويت لغير الجهات المخصصة لها. أصبحت المساعدات الموجهة للمحتجزين في مخيمات تندوف مصدرا للإثراء بالنسبة للكابرانات وعصابات البوليساريو يستفيد منها أبناؤهم وتصرف في دول أوربية في مشاريع ريعية شخصية.

هنا يبدو الفرق واضحا بين صاحب قضية عادلة متسلح بيقين انتصاره في الدفاع عنها مهما طال الزمن وتعددت وتكررت المناورات. ولذلك فهو لا يضيع وقتا لربح رهان تنميتها وتأهيل العنصر البشري داخلها وبين من هو متأكد من خسارته ويحرص فقط على المناورة وربح الوقت واستنزاف موارده في صفقات تسلح لشراء خردة سلاح يعرف أنه لن يستعملها لأنه يعلم أن قرار السلم والحرب ليس في يده وأنه إن دخلها سيوقع على حتفه لأنه لن يجد أمامه إلا حماة الجدار الذين لن يتساهلوا في تلقينه الدرس البليغ كما حدث في الكركرات وهو هارب يجر أذيال الخيبة تاركا نعال مرتزقته. أموال الجزائر التي يفترض أن تنفق على الجزائريين تذهب في التسلح وميزانية التسلح فيها حسب مشروع قانون مالية 2023 بلغت 22 مليار دولار بزيادة خيالية مقارنة مع السنة الفارطة التي كانت في حدود 9,7 مليار دولار. هل هناك من تفسير لهذه الزيادة في هذه الظرفية سوى دق طبول الحرب وإغراق المنطقة في سباق تسلح مستنزف؟ هل رصد هذه الاعتمادات المالية الإضافية في ميزانية التسلح يشكل أولوية عند الجزائريين؟ هل يقبل من دولة مثل الجزائر ما يزال شعبها يعاني من نقص في الكثير من المواد الأولية وضعف التعليم والتطبيب والخدمات أن تنفق على التسلح ما يوازي 15 في المائة من الناتج المحلي؟!! إنه الحمق بعينه.

ونأتي إلى الحصاد الدبلوماسي، كمجال مقارنة ثالث، حيث أصبحت الأقاليم الصحراوية مقرا لقنصليات العديد من دول العالم، وخاصة إفريقيا، وحيث يحظى مجهود المغرب واقتراحاته بخصوص الحكم الذاتي وخطواته في تدبير الملف باحترام واعتراف جل المنتظم الدولي مقابل تراجع ملفت لموقع الجزائر والبوليساريو بخصوص هذا النزاع المفتعل. هل يمكن إنكار هذا الحصاد؟ وهل يمكن إنكار أن هذا الإنجاز يتم بإمكانات متواضعة مقارنة مع الأغلفة المالية السمينة التي تعطى من طرف الكابرانات لصناعة لوبيات صارت عاجزة عن زحزحة الموقف المغربي ومقاربته لحل هذا الصراع الذي صار الكل متضررا من استمراره؟

وهناك مجال رابع شديد الحساسية يلزم أن يحظى بمقارنة دقيقة بالنظر للأثر الذي يترتب عن الاختيارات الخاطئة بخصوصه، وهو أثر متعدي لطرفي النزاع ويشمل دول المنطقة والسلم العالمي. يخدم استمرار نزاع الصحراء المغربية أجندة الإرهابيين وتجار المخدرات والممنوعات وعصابات الجرائم العابرة للحدود. ومن الحصاد المر للطرف الآخر، الجزائر والبوليساريو، أنه صار شريكا لهؤلاء ويوفر لهم دعما معنويا وبيئة حاضنة وموارد بشرية تساهم في انتعاشهم واستمرارهم، كما يوفر لهم قطعة جغرافية لاستقرارهم، ويوقع لهم شيكا على بياض للاستقطاب المفتوح لصالح مذاهب غريبة على البنية الثقافية لساكنة هذه المنطقة، كما هو الحال مع التشيع والغلو الديني والأفكار العنيفة. لا شك أن ضرر هؤلاء جميعا واضح ويتأذى منه سكان ودول المنطقة كلها وحتى باقي الدول خارجها. بالمقابل، يحسب للمغرب أنه يستحضر البعد الأمني لتأمين الأقاليم الصحراوية وتحصينها ضد كل النزوعات الإرهابية والتهريب والجريمة ودعاة نشر الأفكار الغريبة والشاذة، وهو ما يشهد العالم بنجاحه فيه بشكل وقائي واستباقي.

ذكرى المسيرة الخضراء فرصة أخرى أكدت للعالم الفرق الشاسع بين طرفين يشتغل الأول بمنطق بنائي تعاوني مع المنتظم الدولي لخدمة أهداف السلم والتنمية والدمقرطة وبين طرف يعمق عزلة المناطق الصحراوية ويساهم في تفقير وتجهيل أبنائها وتفخيخ ترابها وتسميم أجوائها ليصبح حاضنة للإرهاب ومنصة لتهديد السلم العالمي. وقد صار باديا هذا التناقض للعيان، وهو ما يجعل الإقبال على مبادرات المغرب لحل هذا الملف كبير، ومرشح لاستقطاب أنصار آخرين بمجهود قليل شريطة أن يتسم بالاستدامة ويحسن التواصل ويتحلى باليقظة والقدرة على الإقناع.

لا يسر الكثيرين أن يروا المغرب في موجة انتصاراته المتتالية، فهذا من شأنه، حسب منطقهم الكولونيالي الاستعلائي، أن يخرج المغرب من “بيت الطاعة”، ويجعله يشق عصاها التي تمكنهم من إخضاعه لنزعاتهم الاستعمارية. والحمد لله أن المغرب يحظى بقيادة مستعدة لكل الاحتمالات لتأمين استقلالية قرارها وبسط السيادة على كل ترابها بحكمة ودون استعداء وبطرق إيجابية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى