بوتين وماكرون.. جفاء غير معلن وإهانات دبلوماسية مشفرة

أنظار العالم كلها متوجهة في الآونة الأخيرة نحو روسيا وأوكرانيا بسبب الأزمة القائمة بينهما. وللحيلولة دون اندلاع حرب طاحنة بين الدولتين تحركت مختلف القوى الأوروبية في شكل وسطات لتخفيف حدة الأزمة.

ولعل أبرز هذه الخطوات، ما أقدمت عليه فرنسا في شخص رئيسها إيمانويل ماكرون، الذي اقترح قمة ثنائية تجمع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الأمريكي جو بايدن على أرض فرنسا، بغية التباحث حول السبل الكفيلة للخروج من الأزمة بأقل الخسائر.

وبالفعل رحب الرئيس الأمريكي بالوساطة الفرنسية شريطة أن لا تُقدِم روسيا على غزو أوكرانيا. من جانبه، بوتين لم يبدي تحفظا على القمة الروسية- الأمريكية وتفاعل بالإيجاب مع المبادرة الفرنسية. ولأن الروس متميزين بالدهاء السياسي مند عهد الاتحاد السوفياتي، لم يكن ممكنا أن يحرم بوتين نظيره الفرنسي ماكرون من لحظة انتشاء بانتصار كاذب وأن يد الفرنسيين فوق كل شيء.

موافقة واضحة يوم الأحد لعقد قمة روسية- أمريكية بمباركة فرنسية، واعتراف صريح ورسمي في اليوم الموالي، أي الاثنين باستقلال منطقتي دونيتسك ولوغانسك عن أوكرانيا، في خطوة تركت أفواه الفرنسيين مفتوحة عن آخرها من شدة الصدمة، لأن فرنسا أيقنت أن لا كلمة فوق كلمتها وأن روسيا قد تتحرك بإشارة منها وقد يسجل لها التاريخ أن لها أفضال على أوكرانيا إن هي لم تتعرض للغزو العسكري على يد روسيا.

الكل تابع مجريات المحادثات الثنائية التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن الأزمة الأوكرانية والتي حاولت فرنسا دون جدوى لعب دور الوساطة فيها باسم أوروبا.

التحضيرات التي سبقت لقاء الزعيمين الأوروبيين وفرض على إثرها الجانب الروسي الجلوس لطاولة متباعدة بأمتار، كانت كافية لأن نفهم جميعا أن الروس يرفضون جملة وتفصيلا أي تدخل أوروبي في الملف الأوكراني، وهذا الموقف عززته تصرفات بوتين خلال اجتماعه بماكرون في ال 07 من فبراير الجاري بموسكو، حيث تعامل الرئيس الروسي مع ضيفه الفرنسي بمنطق الأستاذية وراح يهذبه بين الفينة والأخرى طيلة مجريات اللقاء.

تصرفات فلاديمير بوتين أسالت المداد الكثير وأثارت تساؤلات حول جفاء غير معلن من قبل الجانب الروسي دفعه لأن يصرف الإهانات تلو الأخرى لضيفه الفرنسي على مرأى ومسمع من العالم، أبرزها واقعة خلو القاعة حتى من المترجمين واستعان الرئيسان بجهاز الترجمة، وظهر بوتين في إحدى اللقطات وهو يطلب من ماكرون بتعجرف واضح، استخدام الجهاز كي يفهم الرئيس الفرنسي ما يقوله نظيره الروسي.

لكن الإهانة الأكثر مرارة التي تجرعها إيمانويل ماكرون داخل الكرملين جاءت بعد انتهاء المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده مع بوتين، حيث لوح له هذا الأخير بيده إلى أنه سيخرج من قاعة المؤتمر، مشيرا له إلى المكان الذي سيتوجه إليه، لكن بوتين لم ينتظر ماكرون حتى يسيرا معاً، ومشى قبله وترك ماكرون يلحق به، في مشهد بدا مخالفاً للأعراف الدبلوماسية.

وللإشارة، فقد اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الاثنين، باستقلال منطقتين انفصاليتين في شرق أوكرانيا، وذلك خلال خطاب عاطفي بثه التلفزيون الرسمي، رغم تحذيرات الغرب من أن الخطوة قد تعود على موسكو بعقوبات واسعة.

وإثر ذلك، أدان الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمريكي جو بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتس قرار بوتين واعتبروه “انتهاكا واضحا ” لاتفاقات مينسك التي أنهت الحرب في شرق أوكرانيا في 2014، وأكدوا أن “هذه الخطوة لن تمر بدون رد “.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى