المغرب والجزائر.. نظام العسكر يعرقل الاندماج المغاربي ويواصل إذكاء العداوة للتنفيس عن أزماته

إن قرار الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، بقدر ما كان متوقعا، كان أيضا فرصة ليشهد العالم بأسره، على ثبات الموقف المغربي بنهج سياسة اليد الممدودة تجاه جاره الشرقي ودعوته الدائمة إلى حوار سليم وبناء، في مقابل تعنت وسوء نية، بل وتهور النظام الجزائري تجاه المملكة.

المغرب من جهته، وإلى جانب أنه تأسف للقرار الجزائري بالرغم من كونه متوقعا، بالنظر إلى منطق التصعيد الملحوظ من الجانب الجزائري في الآونة الأخير، فإنه أكد على رفضه الشديد للمبررات الزائفة والذرائع الكاذبة التي اتخذ على أساسها هذا القرار.

الممكلة المغربية ومنذ سنوات طويلة، دأبت على تدبير هذا التصعيد -الذي لم يكن وليد اليوم-، بحكمة وضبط نفس منقطعي النظير. ولعل الخطب الملكية بمناسبة ذكرى عيد العرش لسنتي 2011 و2021، وبمناسبة الذكرى 43 للمسيرة الخضراء سنة 2018، (لعلها) خير دليل على ذلك، إذ تعكس بما لا يدع مجالا للشك ثبات الموقف المغربي من أعلى سلطة في البلاد على مواصلة نهج سياسة اليد الممدودة، والتشبت بمقاربة بناءة لإعادة إطلاق المشروع الواعد للاندماج الإقليمي، والذي هو جزء من المسار الطبيعي لتاريخ المغرب العربي.

كما يشهد التاريخ على أن المغرب ظل على الدوام ممتنعا عن التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، خاصة خلال فترة ما عُرف بـ”العشرية السوداء” التي تسببت في مقتل عشرات الآلاف من الشعب الجزائري الشقيق. بل أكثر من ذلك، فإن المغرب لم يتوانى عن السعي لعودة الاستقرار إلى الجزائر. ولا أدل على ذلك، القرار الذي اتخذه الملك محمد السادس، على إثر ختام المشاركة في القمة الـ17 لجامعة الدول العربية، حيث قرر تمديد إقامته بصفة خاصة لمدة 5 أيام، متجولا في شوارع العاصمة دون حراسة أمنية.

لكن وفي مقابل كل هذا، يواصل النظام الجزائري سياسة تصعيد وعداء غير مسبوقة ضد المملكة المغربية، والتي انعكست بشكل ملحوظ على عدد من قراراته وخطاباته الغير متماسكة، وسط تفاقم الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في بلادهم، ولم نظام العسكر يجد منفذا غير إلقاء اللوم على المغرب واتهامه بالوقوف وراء كل أزمات الجزائر، بدءًا من حرائق الغابات الموسمية إلى احتجاجات الحراك الشعبية.

وفي الوقت الذي تظل العلاقات الدبلوماسية بين أي بلدين، القناة الملائمة والسبيل الوحيد لتقريب وجهات النظر وحل الخلافات، قررت الجزائر قطعها مع المغرب. فكيف لهذا الأخير أن يواصل مساعيه البناءة إلى تسوية هذا الصراع في ظل غياب هذه القناة؟

وكيف سيتطلع المغرب إلى بناء وتطوير علاقات سليمة ومثمرة مع الجار الشرقي، في ظل استمرار النظام الجزائري في إعادة صياغة المظالم الناتجة عن قراءة انتقائية لتاريخ العلاقات بين البلدين، ورفض فتح الحدود البرية ورفض عرض المغرب للحوار؟

يجب على النظام الجزائري تحمل المسؤولية السياسية والتاريخية عن قرارهم الأحادي وغير المبرر، وخاصة أمام شعوب البلدان المغاربية الخمسة، بما في ذلك على وجه الخصوص الشعب الجزائري الشقيق.

وعلى الجزائر أن تراعي، كما ينبغي، واجباتها والتزاماتها الدولية، ولا سيما بموجب القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي الذي يلزمها “بتحقيق قدر أكبر من الوحدة والتضامن بين البلدان الأفريقية وبين الشعوب الأفريقية. وميثاق الأمم المتحدة وأحكامه المتعلقة بصون السلم والأمن الدوليين وتنمية العلاقات الودية بين الأمم.

وبقدر ما قد يكون سيناريو القطيعة الدبلوماسية هذا غير لائق، فإن حقيقة مسؤولية الجزائر سيئة السمعة في سياق النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية ، لا يمكن طمسها بسياسة الهروب إلى الأمام وغيرها من التصعيد العقيم.

إن المغرب، إدراكاً منه لمسؤوليته التاريخية ووفقاً لأسس سياسته الخارجية، سيواصل العمل بهدوء وحكمة ومسؤولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى