أنا أملك هوية إذن أنا موجود.. المغرب يُبدع والجزائر تسرق الإرث والذاكرة الوطنية

أنا أملك هوية إذن أنا موجود.. الهوية بمعناها المُعجمي المجرد من أي تأويلات أو إسقاطات ذاتية، هي تحوز جملة من السمات والخصائص التي تحفظ للآخر استقلاليته وتفرده ضمن الجماعة. غياب هذه السمات يعني بالضرورة غياب الآخر وانصهار الجزء في الكل، ومؤدى الأمر، كما لن يروق عاقل، العيش غريبا ومتجاوزا عبر الزمان والمكان.

إن الهوية ولما تنطوي عليه من وجود ثابت للأمم عبر العصور، فإن الدول التي تحترم نفسها وشعبها قد انخرطت في مساعي أممية جادة لتحصين موروثها الثقافي من السرقة، بالموازاة مع اشتغالها على عدم اندثاره بفعل الإهمال أو انتقال المجتمعات إلى عصر الرقمنة الذي قد يُفرغ التراث من أصالته المنحوتة بأيدي الأجداد أو بمعاولهم.

لكن، على ضفاف متاخمة، يوجد بلد لم يرتقي بعد إلى مصاف “الأمم” يعيش صراعا وجوديا هوياتيا اختار أن يُجابهه بالترامي على إرث الآخرين وجعله في حكم ملكيته الخاصة نكاية في التاريخ وشواهده. و “الغاية التي لا تبرر الوسيلة” طبعا، تتجلى في اختبار شعور الوجود بين “الأقران” واحترام الذات المزيف، لأن الماضي العريق يُرخي بظلاله الوفيرة على الحاضر والمستقبل.

السرقة الثقافية، وإن كان فيها استفزاز واضح لأصحاب الحق، فإن ممارسها “الأخرق” لا يعي عمق قول السلف الصالح “ديال الناس ما يدار في الساس” لأنه لا يحقق إلا نشوة لحظية لا يتقاسمها السارق إلا مع نفسه، بينما دورة الزمن تمنح المسروق نشوة تاريخية يتقاسمها معه العالم، والدليل عشناه، منذ يومين، مع الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) باعتماده الزليج المغربي كرافد ثقافي أصيل في شعار النسخة ال35 من كأس أمم إفريقيا.

إنه اعتراف أمام الملأ بأحقية البلد المُضيف (المغرب) قريبا لهذا العرس الكروي الإفريقي بصناعته التقليدية المتفردة. أن تُجيب الكاف نيابة عن المملكة من تمتد أعينهم وأيديهم إلى عُقر دارها فكأنما تقول في خلدها “الجزائر حشاك”!!!. وأن ينزوي وليد صادي، رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم إلى ركن في مكتبه مقاطعا حفل سحب قرعة كأس أمم إفريقيا 2025 لألى يشهد العالم خيبته واستياء أولياء نعمته، فذاك تصابي “سياسي” يضع الدولة الجزائرية في موضع “ضربني وبكا وسبقني وشكا”، بل ويجدد الأسى حُيال بلد ارتضى لنفسه الانعزال كسمة تطبع وجوده في سياق إقليمي ودولي مدفوع بتسارع الأحداث وتطور أداء الفاعلين على مختلف الأصعدة.

والحال على ما هو عليه اليوم، نتساءل كيف صنعت الجزائر بؤسها الثقافي والحضاري؟؟ تقول الأسطورة.. عندما كانت “الأمم” منشغلة ببناء مجدها الثقافي والحضاري كان العساكر منهمكون “بتفان” في تقفي آثار مجموعة من الحُفاة العُراة التائهين في الصحاري، محاولين منحهم وجودا على حساب المغرب وأرضه.

لقد استطاع قصر المرادية أن يضحك على ذقون “كراكيز” البوليساريو بإقناعهم أن التجرد من الملابس أو الاكتفاء فقط بالأسمال والتخلص من نعالهم كي يزحفوا حُفاة فوق الرمال الساخنة قد يَلْفت انتباه المنتظم الدولي ويمنحهم “غطاء” شرعي. بينما الواقع وحساباته لم تسعفهم على فهم حقيقة راسخة مفادها أن “حياة الماعز” التي يعيشونها تحت وصاية الكفيل الجزائري ستجعل منتهى مناوراتهم أن لا تضيع منهم نعالهم الرثة في غياهب الرمال “الحارقة” بالصحراء المغربية.

وبالعودة إلى قرصنة تراث الأمم، لنقف برهة عند بعض من تاريخ النظام الجزائري مع هذه العادة القبيحة

بن بطوطة جزائري أحب المغرب أو كره:

انتقلت عدوى السرقة السياسية إلى مضمار الفن وفاعليه بدورهم، بحيث لم يخجل المخرج الجزائري طارق صفية من إنتاج فيلم سينمائي يتعرض لحياة الرحالة المغربي “الطنجاوي” ابن بطوطة على اعتباره جزائري قد طاف عددا من الدول. بينما واقع الحال والتاريخ المثبت رغم أنف بلداء الجزائر يقضي بأن محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة، ولد في 24 فبراير 1304 – 1377م بطنجة الموافق ل 703 – 779هـ، هو رحالة ومؤرخ وقاض أمازيغي من قبيلة لواتة، لُقب بـأمير الرحالين المسلمين. انطلق من مدينة طنجة عام 725 هـ ليجوب بلدان مصر والحبشة والشام والحجاز وتهامة ونجد والعراق وبلاد فارس واليمن وعمان والبحرين وتركستان وما وراء النهر وأجزاء من الهند والصين وبلاد التتار وأواسط إفريقيا.

خسئ من يعتقد أن صومعة الكتبية الشامخة بمراكش هي مغربية، إنهم يعتبرونها تحفة دينية جزائرية

منذ حوالي ال9 سنوات، تجاسرت دولة الكابرانات على صرح ديني مغربي عريق ونسبته لنفسها دون استحياء خلال معرض ما يسمى “أسبوع التراث الجزائري”، إذ وضعت صومعة الكتبية على ملصق ترويجي رسمي لها على هامش المعرض المُقامة فعالياته بالشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة آنذاك، رغم أن هذه المعلمة التاريخية مدونة في سجلات اليونسكو على اعتبارها تراث مغربي.     

“يا شفشاون يا نوارة” تصير بقدرة قادر “يا دزاير يا نوارة”:

تعرض الفنان المغربي نعمان لحلو بدوره، عام 2011، لسطو موسيقي واضح من خلال الترامي على أغنيته الشهيرة “يا شفشاون يا نوارة” التي تتغنى بجمال جوهرة الشمال الزرقاء، حيث سرق محمد لامين صاحب لحن أغنية “يا دزاير يا نوارة”، في محاولة بليدة للترويج لاحتضان الجزائر لألعاب البحر الأبيض المتوسط، على حساب المغرب وإبداعاته. الحاصول كلشي مدرح عند الجيران!!

وهذا غيض من فيض، بيد أن السرقات الجزائرية لتراثنا تعد بالآلاف ولم تترك مجالا مغربيا إلا ودست فيه يدها للعبث به، والنتيجة حصاد للسخرية وإنتاج لمحتوى مشوه لا يُحقق المراد بأن يصير التقليد أصلا وتصبح الجزائر مغربا آخر بالمنطقة كما تصبو لذلك.

وبخلاف ما يحصل من سرقات وافتراءات في دولة الجيران، المغرب لا يسرق التراث بل يُثمنه ويحتضنه ويُعلي من شأنه، ولا أدل على الأمر أكثر من احتفاء مدينة وجدة سنويا بفن الراي، عبر تخصيص مهرجان لهذا النمط الموسيقى الفريد مدعوم من المال العام، حيث يلتئم فيه الفنانين المغاربة بنظرائهم الجزائريين. ورغم إدراجه كتراث إنساني لا مادي من طرف منظمة اليونسكو، المغرب لا زال وفيا لعهده بتثمين تراث الجيران وجعل المنطقة الشرقية التي توجد في تماس حدودي مع الجزائر تزدهر ثقافيا وتستمتع بفن الراي الذائع الصيت.  

وفي المحصلة، سيتذكر التاريخ باعتزاز أن الفنانة القديرة نعيمة سميح قد أفردت أغنية للجيران تقول “جاري يا جاري بابك حدا بابي” و قوبلت كالعادة بأذان صماء أو لم يستوعب حكام “جوج في عقل” فحواها آنذاك. عمل فني خالد خطبت من خلاله نعيمة سميح “الضمائر الحية” ببلاد العساكر -إن هي وجدت- أصلا للعدول عن غيهم والتزامهم باحترام الجيرة.

وفيما يلي مقطع من أغنية “جاري يا جاري”:

جاري يا جاري ياللي

دارك حدا داري

خلينا نمشيو فالطريق

رفاگة و صحاب

العشرة و الدين و النسب

نوليو دراري

شفايا للعدا وكنا انساب أحباب

جاري لا تحسبني ضعيف

قادر نحمي نفدي الدار

لكن أصلي و طبعي شريف

و نفضل نمشي بالنهار

و زعما يا جاري

راك عارف فاهم قاري

آش هاذ الغلط راجع لحساب

أرضي أرض الخير قولها

بالصوت العالي و لا تخاف

و إلى نتحمل ذلها

كتافي ما بقاو ليا كتاف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى