تمخضت منظمة هيومن رايتس ووتش وأنجبت لنا كعادتها ”أكذوبة ملغومة”

بعد الهرطقات والأكاذيب التي أتى بها التقرير الأخير لمنظمة هيومان رايتس ووتش، يمكن تقديم قراءة شاملة حول هذا التقرير الملغوم، والذي حاول استهداف الملك محمد السادس ومحيطه.
ومن بين أولى الملاحظات التي يمكن جردها من خلال تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش”، هو تزامنه مع احتفالات المملكة بعيد العرش، وهو ما يؤكد استهداف الملك، لكون اختيار هذا التاريخ لم يأتي صدفة.
كما يظهر التقرير ذكر كلمة الملك 33 مرة، وكلمة القصر وردت 44 مرة، وكلمة محمد السادس تكررت 17 مرة، فيما أعيد اسم عبد اللطيف حموشي، المدير العام لمديرية الأمن الوطني والمدير العام لمديرية مراقبة التراب الوطني، 11 مرة، يأتي بعده محمد منير الماجدي، مدير الكتابة الخاصة للملك، بـ10 مرات.
وذُكر اسم الملك، بتعابيره المختلفة، وكذا اسم المسؤولين المقربين منه، بهذه الأعداد يتوخى ربط كل ما لا تراه المنظمة بعين الرضا بشخص الملك، وقديما قيل: “وعين الرضا عن كل عيب كليلة، ولكن عين السخط تبدي المساوئ”، إلى درجة أن التقرير يحاول أن يوحي/ يوهم بأن الملك يتبنى الأحكام المختلفة الصادرة عن القضاء؛ فقط لأن القضاة يدبجون أحكامهم بالإشارة إلى عبارة “باسم جلالة الملك”، بحيث يحق التساؤل: “إذا كان الملك يتبنى كل ما يصدر عن القضاء من أحكام، فما معنى أن يطلق ورش إصلاح القضاء؟”.
الغريب أن هذا التقرير يصنف كل من يشاء على أنهم موالون للمخزن، خاصة من يدافع عن الحق، أما من يعارض الملك والنظام الملكي فهو يعتبره من ”المعارضين الأشاوس”، وهذا ما يطرح أكثر من علامة استفهام.
من جانب آخر، وقف تقرير منظمة “هيومان رايتس ووتش” عند حالات عانت بسبب علاقات رضائية، أو بسبب عملية إجهاض (الريسوني والمنصوري)، وينتصر لها؛ لكنه يخرجها عن سياقها الوطني العام.
منظمة هيومن رايتس ووتش وكأنها، لا تعلم، أن الإجهاض والعلاقات الرضائية من الطابوهات الاجتماعية عند الفاعلين المحافظين، و”الحق في الإجهاض” نقاش لم يحسم بشكل قطعي حتى في الولايات المتحدة التي تراجعت محكمتها الدستورية مؤخرا عن واحدة من أبرز ضماناته.
في المغرب، لمن يجهل ذلك، تقدم تقارير رسمية لا تتوانى في المطالبة بتبني المرجعية الدولية وتوسيع مجال الحريات الفردية؛ لكنها تواجه بحائط صد شاهق شيدته تيارات تنتمي إلى مرجعيات يتقاسمها عدد من الذين استشهد بهم تقرير “هيومن رايتس ووتش”.. وعلى معدي التقرير أن يبحثوا عن عدد الأشخاص الذين يقبعون خلف القضبان، اليوم في المغرب، على خلفية هذه الأسباب عينها. ودفاعا عن حقوق هؤلاء جميعا (من منظور المرجعية الحقوقية الدولية)، لا تكل المؤسسات والتقارير الرسمية من الترافع والدفع بعجلة التغيير إلى الأمام، ليس في مواجهة الدولة أو الملك؛ بل بالأساس في مواجهة الفاعل السياسي الحزبي والجماعاتي المحافظ.
ذات التقرير لم يعمل على وضع مقارانة موضوعية، أو حتى ان تسأل المنظمة نفسها حول معضلة الاعتقال الاحتايطي.. هل هي فعلا تخص فقط الريسوني والراضي لوحدهما؟
بلغت حالات الاعتقال الاحتياطي 46 في المائة من مجموع نزلاء المؤسسات السجنية في المغرب، أي 40 ألف معتقل من أصل 96 ألفا. وعليه، فقضايا مماثلة لا يمكن أن تعالج بانتقاء حالات بهدف توظيفها خدمة لسردية معينة؛ بل تعالج في مجملها ليكون لذلك أثر في المنظومة، حيث أن كل الفاعلين الوطنيين في المغرب لا يكلون ولا يملون من الدعوة إلى ترشيد الاعتقال الاحتياطي.
تتحدث المنظمة عن خطورة التحرش والاعتداء الجنسي، وهي تعالج قضايا بوعشرين وسليمان الريسوني وعمر الراضي؛ لكنها لم تكلف نفسها عناء رصد حملة التشهير ضد المشتكيات في قضية بوعشرين والراضي، والمشتكي في قضية الريسوني.
التواصل مع واحدة من المشتكيات، وفقا لما جاء به “تقرير” هيومن رايتس ووتش، لم يكن بمبادرة من المنظمة؛ بل المعنية بالأمر هي من بادرت إلى الاتصال بالمنظمة. أما البقية الباقية، فلم تر المنظمة حاجة حتى إلى الاستماع لهن.
ويُفهَم من المنظمة عن عدم اعتقال المشتكي في قضية الريسوني على خلفية اعترافه بمثليته تحريض مبطن ضده، أنها تعتقد أن بقاءه حرا طليقا كان بهدف خدمة أجندة معينة؛ في حين أن الحقوقيين يمكن أن يعتبروا هذه الخطوة، عدم الاعتقال، مدخلا حقيقيا للدفاع عن مجتمع “الميم”.
من جانب آخر، يزعم ذات التقرير أن الصحافة المغربية انتهت مع خروج أحمد رضا بنشمسي من المجال، والتحاقه بمنظمة هيومان رايتس ووتش، مديرا للتواصل بقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو أحد معدي التقرير، فهل يستقيم أن يساهم شخص له من الحقد على وطنه ما يخول له أن يساهم في التقرير؟ أليس في ذلك مس خطير بالموضوعية المفترضة في منظمة دولية؟! بل الأدهى من ذلك هو أن ترد مقاطع في التقرير مقتبسة من المدونة الشخصية لبنشمسي؟.
وزعمت ذات المنظمة في محاولة منها لقلب الحقائق، أن إغلاق جريدة “أخبار اليوم المغربية” كان بسبب توقف الدعم، الذي تقدمه السلطات لمختلف المؤسسات الإعلامية. وهذا لم يقل به حتى مسؤولو هذه الجريدة الذين صرح بعضهم بأن توقفها وليس إغلاقها كما تزعم المنظمة كان قرارا لمالكها، متسائلين عن المصير الغامض للدعم الذي تلقته الجريدة في سنوات بعينها.
في الأخير لا يسعنا إلا القول أن الجبل تمخض وولد لنا فأرا، هذا هو لسان حال منظمة هيومن رايتس ووتش التي تمخضت وولدت لنا تقريرا أقل ما يقال عنه ”أكذوبة ملغومة”.