“صناعة المظلومية”.. استراتيجية سليمان الريسوني لكسب تعاطف الرأي العام ومحاولة للإفلات من العقاب

“سليمان يُقتل”، “أنقذوا سليمان الريسوني”، “حياة سليمان الريسوني في خطر”… لا يختلف اثنان على أنها عبارات خلقت الحدث في الآونة الأخيرة، خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد يعتقد كثيرون أن السبب راجع إلى تعاطف شريحة واسعة من المجتمع مع الأطروحة التي يروجها المتهم على لسان زوجته والمقربون منه وبعض الأصوات الحقوقية “المشبوهة”، وإلى اقتناع الرأي العام بكون متابعة الريسوني سياسية وليست جنائية، جاءت بناء على شكاية ضحية، ما دفعه إلى خوض إضراب عن الطعام قيل أنه تجاوز الـ70 يوما، احتجاجا على الظلم الذي طاله، وفق تعبير المعني بالأمر ومحيطه.
لكن من يدقق مليا في تفاصيل القضية ومجريات الأحداث، سيكتشف أن الأمر لا يعدو كونه “تراجيديا” مخدومة بلا هوادة. سيكتشف أن صناعة بأكملها، سُخّرت لها إمكانيات مادية ومعنوية وبشرية مهمة، وصلت إلى حد المتاجرة بالأرواح، وراء كل هذه الهالة الإعلامية حول قضية سليمان الريسوني، هدفها الأساسي ضرب الصورة الحقوقية للمغرب والتشكيك في مصداقية واستقلالية القضاء بالمملكة، وقبل كل هذا، استهداف دولة الحق والقانون وتعطيلها. ويتعلق الأمر هنا بما يسمى بـ “صناعة المظلومية”.
استراتيجية معروفة منذ القدم، استخدمها عبيد أثينا القديمة وفلاحو الرومان، والشيوعيون والقوميون العرب والشيعة، والإسلاميون بجميع أطيافهم. كل تيار على حدة، استخدمها كوسيلة للضغط النفسي وحشد تعاطف الناس لخدمة مصالحه في مواجهة أعدائه المحتملين.
استراتيجية “صناعة المظلومية” لم تستخدمها تيارات طائفية أو عقائدية فقط، كما لم يقتصر توظيفها على مجموعات سياسية، بل يلجأ إليها حتى الأشخاص العاديون، حيث يبرز خطاب المظلومية القائم أساسا على المغالطات والأكاذيب، عندما يؤدي المذنب أو المجرم دور الضحية، هذا الأخير الذي يكون على علم بحقيقة فعله أو الجرم الذي اقترفه، لكنه يسعى إلى تزكية نفسه واستثنائه من العقاب، اعتقادا منه أنه فوق القانون، أو أن صفة ما يحملها تعفيه من محاسبته ومتابعته أو حتى من معاملته كباقي المواطنين، عبر المثول أمام القضاء في ظل توفير جميع شروط وضمانات المحاكمة العادلة.
وبالتالي لا يجد طريقا آخر يسلكه سوى الحملات التضليلية والدعائية والاستعدائية وحتى الاستقوائية بالخارج وبالمنظمات والهيئات الحقوقية الدولية، خاصة المعادية منها لبلده، للتحشيد على أساس عاطفي معنوي والنتيجة تكون أن المتهم يتحول بقدرة قادر إلى ضحية وأحيانا إلى بطل، والضحية الحقيقية تصبح مجهولة أو غير موجودة من الأساس. كما تتحول التهم التي يتابع من أجلها أمام القضاء، إلى حقوق تعبير وحرية رأي وصحافة، وتتحول المتابعة على الجرائم إلى قمع للحريات واستهداف لما يسمى بـ “الأصوات الحرة”.
المثير في حالة الريسوني، هو أن الاستراتيجية التي تم توظيفها لصناعة “مظلوميته” تخطت حدود الكلام والمغالطات والاحتجاجات، حيث اعتمدت في الآونة الأخيرة على المتاجرة بروح سليمان الريسوني، لاستجداء تعاطف الرأي العام الوطني والدولي والتغطية على الجرائم التي يتابع من أجلها، على غرار الاستراتيجية التي اشتهرت بها جماعة الإخوان المسلمين، حيث كانت تدفع أعضاء جماعتها إلى التهلكة، ومن ثم الاتجار بدمائهم وأرواحهم، لتحقيق مصالح سياسية ناجمة عن التعاطف المصاحب لصنع المظلومية.
فكيف يقبل عاقل أن يطالب الشخص بالحق في محاكمة عادلة وفي الوقت ذاته يشكك فيها؟؟ بل أكثر من ذلك، يماطل ويعطلها بشكل مقصود، ثم يعود ليدعي أنه ضحية التأخير.
فرغم أن قرينة البراءة هي الأصل، لكن كيف لعاقل أن يؤمن ببراءة المتهم، في الوقت الذي هو من قرر طواعية خوض إضراب عن الطعام للتأثير على سير هذه المحاكمة، في محاولة منه لتسييس القضية، ثم يطالب بتأجيل جلسات المحاكمة بمبرر وضعه الصحي؟
إضراب عن الطعام أثيرت حوله -كما سبق الذكر- قصص تراجيديا غير مسبوقة، اتضح فيما بعد أنه إضراب مزعوم، بالأحرى، مجرد حمية غذائية، حيث كشفت المندوبية العامة لإدارة السجون في بلاغ لها يوم الجمعة 18 يونيو الجاري، أنه على عكس المنشورات التي تداولتها بعض مواقع الصحافة الإلكترونية، والتي تدعي أن السجين المعني يخوض إضرابا فعليا عن الطعام، فإن هذا الأخير يتبع في الواقع حمية غذائية، حيث أنه عند إعلانه عن هذا الإضراب، تناول أغذية (عسل وتمور) ومواد مقوية (سوبرادين)، مضيفة أنه تناول الحساء والعصير مرتين (في 22 و23 ماي 2021 تواليا).
وأوضح البلاغ الصادر ردا على ما كتبه أقارب السجين، وكذا بعض الأشخاص الذين يزعمون أنهم مدافعون عن حقوق الإنسان، في صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أنه فور إدراكه أن تناول هذه الأغذية قد يشكل في حد ذاته إنهاء واضحا للإضراب المزعوم عن الطعام، رفض الاستمرار في تناولها.
وفي هذا الصدد، أفادت اللجنة الجهوية التابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالدار البيضاء، اليوم سبت 19 يونيو، بأن فريقا منها قام بزيارة للسجن المحلي بعين السبع قصد متابعة أوضاع بعض المعتقلين، بمن فيهم الصحافي سليمان الريسوني.
وأوضحت اللجنة الجهوية في بلاغ لها، توصل موقع “المغرب ميديا” بنسخة منه، أن سليمان الريسوني تم فحصه من طرف طبيب اللجنة والذي خلص إلى أن وضعه الصحي حاليا مستقر.
وفي سياق متصل، كان الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، قد أعلن بتاريخ 15 يونيو الجاري أنه على خلاف ما يتم الترويج له عبر عدد من منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية من ادعاءات بخصوص التأخر في محاكمة المتهم سليمان الريسوني، فإن المعني بالأمر “يبقى هو المتسبب في تأخير إجراءات محاكمته والبت في قضيته، والتي يتم تأخيرها في كل مرة بناء على طلبه وبمبررات مختلفة، تارة بمبرر إعداد الدفاع، وتارة أخرى بدعوى وضعه الصحي”.
وأوضح بلاغ للوكيل العام للملك أنه وفي إطار تتبع الوضع الصحي للمعني بالأمر، كلفت النيابة العامة أحد قضاتها للانتقال إلى السجن بتاريخ 14 يونيو 2021، والذي تواصل معه بشكل عاد، واطلع على ملفه الطبي وتسلم من طبيب السجن تقريرا طبيا يستشف منه أن حالته الصحية عادية، وتسمح له بمواصلة إجراءات محاكمته دون أي إخلال بحقه في الدفاع.