الصحفي المغربي محمد البقالي: قراءة متأنية لخلفيات قرار الرئيس التونسي قيس سعيد استقبال زعيم جبهة البوليساريو بتونس لاستفزاز المغرب

في خضم ردود الفعل المتوالية إثر استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لزعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي، بتونس للمشاركة في أشغال المنتدى الاقتصادي الإفريقي الياباني تيكا 8، أدلى الصحفي المغربي محمد البقالي بدلوه في الموضوع، حيث عاد أدراجه قليلا لفهم أصل الفعل المتهور الذي أقدم عليه سعيد في حق المغرب، فالرجل كما وصفه البقالي في تدوينة له على حائطه الفيسبوكي، نزل على دولة تونس المشهود لها بالديمقراطية سابقا، بدون قاعدة حزبية تسنده أو خلفية عسكرية أو أمنية تدعمه وبدون امتداد خارجي معلن يرفعه، وتمكن من إحداث رجة انقلابية دون سابق إنذار جعل العالم يقف مشدوها من هول الصدمة.
وتابع البقالي، مراسل قناة الجزيرة في باريس حاليا وفي تونس سابقا، حديثه عن الموضوع بالقول: “كان الجميع ينظر إلى الرجل على أنه مجرد “مجنون” أو ” أهبل” وفي أفضل الحالات على أنه “ظاهرة صوتية” لا تؤخذ على محمل الجد، بينما كان هو يطبخ خطته على نار هادئة بدعم خارجي، وبتنسيق أمني مخابراتي عسكري. حتى أن خطة الانقلاب نشرت بتفاصيلها قبل شهرين من حدوثه في موقع ميدل إيست آيز البريطاني دون أن يأخذها أحد مأخذ الجد، إلى أن جاء يوم 25 يوليوز 2021، لتكتشف أنها أخطأت باستصغارها لقيس سعيد.
لذلك أي تعامل مع هذا الشخص بمنطق الهبل أو العته لن يغير من حقيقة الواقع شيئا. وهو أن الرجل لديه مخطط واضح، وسيذهب فيه إلى النهاية. أوجه الشبه كبيرة بينه وبين القذافي أولا أنه لا يملك ما ملك القذافي من أموال”.
أما عن نوايا سعيد اتجاه الجيران الأشقاء، وفي مقدمتهم المغرب الذي نال منها قسطا ليس بالهين حينما تجرأ الرئيس التونسي، منذ أيام، على استقبال زعيم الانفصاليين بتونس، يقول البقالي: “الرجل يعاني من نقص في المشروعية بسبب ما حدث خلال العام الأخير. لذلك فهو يعلم يقينا أن بقاءه في السلطة رهين بموقف اللاعبين الكبار في الساحة السياسية التونسية، ومن بين أهم اللاعبين في الساحة السياسية التونسية هي الجزائر وفرنسا وإيران.
فرنسا توفر له الغطاء الغربي بعد أن خلصها من “حكم” الإسلاميين، وهي وإن لم تكن ترى فيه رجلها المفضل لكن لا بديل عليه الآن، لأن غيابه يرفع احتمالات عودة النهضة إلى السلطة باعتبارها الحزب الأكثر تنظيما. لكن فرنسا لن تفعل شيئا من أجل المغرب. بل أن مصلحتها في تأزم الأوضاع المغاربية أكثر، حتى يتسع هامش المناورة لديها للاستفادة من كل الأطراف.
أما الجزائر فمعلوم حضورها القوي في تونس منذ الثورة. السفارة الجزائرية كان يعمل بها أكثر من 100 شخص (في وقت أرسل فيه المغرب سفيرا متقاعدا في الثمانين من عمره اسمه الدكالي ليخلف نجيب الزروالي عقب اندلاع ثورة قام بها الشباب). فضلا عن هذا، يتابع البقالي، الجزائر تملك أوراق ضغط كبيرة على تونس. هذه بعضها باختصار شديد:
أمنيا:
الحدود بين البلدين تتجاوز 1000 كيلومتر، وهي حدود لا تستطيع تونس تأمينها بدون دعم جزائري وقد تحولت في مرحلة ما إلى مرتع للمجموعات المسلحة. الجيش التونسي محدود العدد وضعيف العدة. وهو غير قادر على تأمين الحدود دون دعم جزائري.
اقتصاديا:
هناك من جهة الغاز الجزائري، ومن جهة ثانية السياحة. أكثر من مليون سائح جزائري يدخل تونس سنويا في وقت يعرف فيه الاقتصاد التونسي وضعا كارثيا ينذر بعدم قدرة الدولة على سداد أجور الموظفين.
إعلاميا:
تشكل لوبي جزائري قوي وسط النخبة الإعلامية والثقافية. والنتيجة أن العلاقة بين تونس والجزائر ليست متوازنة أبدًا. فلا تكاد تسمع نقدا لغياب هذا التوازن إلا قليلا.
وفيما يخص الحضور الإيراني اللافت في دولة تونس، لاسيما على عهد الرئيس قيس سعيد، يوضح مراسل قناة الجزيرة بباريس: “هناك علاقة أخرى لا يتم الحديث عنها كثيرا وهي مؤثرة بشكل مستتر، وهي علاقة تونس مع إيران. وقد تعززت مع وصول سعيد إلى السلطة. الرجل لديه ود غير معلن لإيران والسفارة الإيرانية أضحت لاعبا رئيسيًا مستترا في تونس وخاصة على مستوى نشاطها الثقافي. هناك من يذهب إلى اتهام سعيد نفسه بالتشيع، وهناك من يتهم شقيقه نوفل سعيد. ليس هناك دليل لكن المؤكد أن النشاط الإيراني قوي في البلد ومعه مد للتشيع.
ولعله من المعلوم أن العلاقة مع إيران تدفع في اتجاه تعميق التوتر مع المغرب ولن يكون مستغربا أن تزيد تونس خطوة أخرى في اتجاه تأزيم علاقتها مع المغرب. لذلك فسعيد لا يغامر بأي خسارة شعبية إذا صعد ضد المغرب، لأنه منذ أيام الثورة سرت في الأوساط التونسية أن المغرب “سرق” سياح تونس وشركاتها وسوقها الدولية مستغلا أزمتها الأمنية والسياسية. هذا الأمر تردد بقوة في الإعلام وفي حديث المقاهي ويصعب أن تقنع التونسيين بغير ذلك. حتى أنه ثمة شائعة تسري بقوة فوجئت أن زميلة ترددها مفادها أن المغرب يقف وراء بعض العمليات الإرهابية من أجل زعزعة الاستقرار لكي يجلب الشركات الدولية والسياح.