الجزائر تحتضر تحت أقدام الصحراء المغربية… والنظام العسكري يواجه ساعة الحقيقة

في الوقت الذي تتسارع فيه التحولات الإقليمية والدولية، تبدو الجزائر وكأن الزمن قد توقف بها أو عطل مسيرها صخر صلب، تتنفس بالكاد لأن رئتها موصولة بأجهزة إنعاش سياسي “ديال الله يحسن لعوان”. بلد فقد بوصلته ونظام عالق بين أوهام الماضي وحقائق الحاضر المُوجعة.
خلال أسابيع قليلة فقط، تلقى عجائز قصر المرادية ثلاث ضربات متتالية أسقطت ورقة التوت عن عورتهم أمام الداخل والخارج: فرنسا ألغت اتفاقية الهجرة لسنة 1968، الدينار انهار إلى أدنى مستوياته التاريخية أمام اليورو، ثم مجلس الأمن الدولي يدعم مجددا مبادرة الحكم الذاتي في ملف الصحراء المغربية.
باريس تَصُمُّ شريان النفوذ الجزائري وتشتري راحتها السياسية
لم تكن اتفاقية الهجرة الموقعة سنة 1968 بين فرنسا والجزائر مجرد وثيقة تنظيمية، بل كانت أداة سياسية بامتياز سمحت لعصابة العساكر التلاعب بمصير مئات الآلاف من المهاجرين كورقة ابتزاز وضغط على باريس كلما اقتضت الحاجة.
اليوم، وقد انقشعت الغمامة عن أعين فرنسا فهي تُقرر إنهاء هذه اللعبة. إلغاء الاتفاقية يضع النظام الجزائري في عزلة محرجة أمام جاليته التي كان يتغنى بحمايتها، ويكشف محدودية نفوذه في القارة الأوروبية.
إن القرار الفرنسي لم يكن نتيجة لحظة غضب سياسي عابر، بل يأتي في سياق قطيعة شاملة سبقته رباطة جأش باريسية لعقود من الزمن دون أن يتعظ الجانب الجزائري أو يركن إلى “إن الله حق”. لذلك، فقد قصر الإليزيه الأمل في نضج سياسي قد ينبعث صداه من قصر المرادية يوما ما، بحيث باتت الجزائر في تقديره مجرد نظام متحجر يعيش على ريع الغاز والعداء المجاني للجيران، وهي السلوكيات الكفيلة بتصنيفه ضمن خانة “الشريك الغير موثوق”
انهيار غير مسبوق للدينار الجزائري… شهادة وفاة لاقتصاد وُلد ميت أصلا
اقتصاديا، لم تعد الجزائر سوى نموذج للدولة الريعية الفاشلة. فرغم عائدات الغاز الضخمة، يعيش المواطن الجزائري انهيارا يوميا في قدرته الشرائية، فيما يتهاوى الدينار منذ أيام، إلى مستويات تاريخية أمام اليورو والدولار.
البنوك خاوية على عروشها، الأسواق ملتهبة، والطبقة المتوسطة تنصهر لتغدو البلاد “هند” جديدة يعيش فيها الثراء الفاحش جنبا إلى جنب مع الفقر المدقع في تنافر صارخ. والشاهد على الأمر حصان الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا الذي أهداه له عبد المجيد تبون كعربون امتنان على زيارته “للزريبة” العسكرية. بينما واقع الجزائري المغلوب على أمره الذي يقطع آلا لاف الأميال سيرا على الأقدام دون “بغال” لسقي الماء من الآبار.
المضحك المبكي أن الحصان العربي الأصيل الذي كلف خزانة الدولة الشيء الكثير لم يفلح في استمالة الجانب الإيطالي للاصطفاف إلى جانب أطروحة الانفصال في الأقاليم الجنوبية. والنتيجة، تحرر “الحصان” من نظام بائد وظل “حمار” النظام البائد جاثما على أنفاس شعب خانته هزالة عملته الوطنية الخاضعة لمزاجية الساسة لا لالتزامات السوق العالمية
إذن، كل المؤشرات تدق اليوم ناقوس الخطر: بطالة، تضخم، فساد، وهروب استثمارات، ثم تهريب الثروات نحو الخارج. أصحاب القبعات “الخضر” بدلا الانكباب على هيكلة جذرية للاقتصاد الوطني، اختاروا سياسة الهروب إلى الأمام: تضييق على الحريات، تخوين كل صوت ناقد، ثم توجيه الغضب الشعبي نحو الجار العدو… “طاحت السمعة علقو المغرب”.
صفعة نيويورك.. سقوط ورقة البوليساريو في سلة مهملات الأمم المتحدة
دبلوماسيا، يعتبر قرار مجلس الأمن الأخير الأخير بمثابة القشة التي قصمت ظهر “بعير” الدبلوماسية الجزائرية. المجتمع الدولي كرس دعمه لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتبارها الحل الوحيد الواقعي للنزاع الإقليمي، متجاهلا تماما الخطاب العدائي الصادر عن الجزائر.
والمفارقة أن العساكر قد أنفقوا مليارات الدولارات على مشروع وهمي اسمه “تقرير المصير”، دون أن يجدوا لمناوراتهم مصيرا يليق بخبثهم ويطمس “نور” المغرب مقابل تقدم “ظلام” جمهورية التائهين في الصحاري بلا هوية أو انتماء واضح.
في نيويورك دفنت الدبلوماسية الجزائرية وجهها بين مسودات تقرير المصير كما تدفن النعامة رأسها في الرمال خوفا من الخطر، إنما تبون ورجاله انكفئوا على وجههم خجلا ورفضا للهزيمة المدوية وسؤال واحد ينخر “المنطق الجزائري”… وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ؟؟
نظام بلا شرعية وشعب بلغ به السيل الزُبى
داخليا، يعيش النظام العسكري عزلة غير مسبوقة وانفصال عن واقع الشارع. إن الحراك الذي أقبروه بالقوة لم يمت بعد، بل ينتظر لحظة الانفجار، لأن المواطن الجزائري يرى بلاده تُهدر ثرواتها على دعايات خارجية، بينما يعيش الفقر والبطالة وانسداد الأفق.. لا مؤسسات فاعلة ولا إعلام حر ولا عدالة اجتماعية، فقط سلطة غاشمة تُطيل أمدها ما استطاعت إليه سبيلا بالقمع والتخويف.
وعلى غير ما تجري به الأقدار في تلك الرقعة المشئومة، يواصل المغرب صعوده بثبات، مستقرا سياسيا واقتصاديا، ثم مُحاطا باحترام دولي متزايد. الهُوة صارخة: دولة تصنع المستقبل، وأخرى تُناظر المستقبل بعيون حاقدة وأدمغة عاجزة !!!
2026.. سنة الانكشاف الكبير والحساب العسير
قبل زحام روايات أبواق النظام “المأجورة” من “ربها” تبون أو تنبؤات “ليلى عبد اللطيف” الهلامية، نتوقع أن كل المؤشرات الاقتصادية والسياسية تُنذر بأن 2026، هي سنة الانفجار الداخلي أو الانعزال الكامل للنظام الجزائري.
العملة تترنح، الاحتياطي يتآكل، والشرعية تتبخر ثم وهم الانفصال قد تبدد. أما الجيل الجديد فلم يعد يخاف من العسكر والاحتقان الاجتماعي بلغ مداه و “الله يحد الباس”.
دبلوماسيا، سيزداد التهميش والعزلة لاسيما مع انكشاف ازدواجية الخطاب الجزائري أمام القوى الكبرى.
الخلاصة.. الجزائر في غرفة الإنعاش
الجزائر اليوم ليست في أزمة عابرة، بل في مسار احتضار بطيء لنظام يعيش على الإنكار ويُقرر في مصائر الغير دون أن تحكمه الغيرة السياسية على وطنه وشعبه.
من باريس إلى نيويورك، ومن الأسواق إلى الشوارع، الرسالة واحدة: العالم يتقدم، لكن الجزائر ما زالت رهينة جنرالات يعيشون خارج الزمن. الجزائر لا تُهاجَم من الخارج، بل تنهار من الداخل، على يد نظام حول دولة غنية بثرواتها إلى بلد فقير برجاله.
والساعة تقترب… والدهر يَقْظَان والعساكر غافلة ومن يتعظ !!!



