لبنان تعمّق عزلة الجزائر وتؤكد مغربية الصحراء

لقد وجه الموقف اللبناني الأخير رسالة بالغة الوضوح إلى من يعنيهم الأمر زمن المناورات الدعائية قد انتهى، ومنطق التاريخ والسيادة الوطنية أقوى من أي محاولة لشراء المواقف أو تزييف الحقائق. فقد جاء إعلان بيروت دعمها الكامل لسيادة المملكة المغربية ووحدة أراضيها ليكشف هشاشة المقاربة الجزائرية القائمة على الإنفاق المفرط دون نتائج، وليؤكد أن الحقيقة لا تشترى بالدولار، بل تصان بالمصداقية والموقف المبدئي.
إن ما أقدمت عليه لبنان لم يكن خطوة معزولة، بل تتويجا لمسار عربي متصاعد نحو الاعتراف بمغربية الصحراء واعتبار مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب سنة 2007 حلا واقعيا ونهائيا للنزاع الإقليمي المفتعل. هذا التحول يعكس وعيا متزايدا في العواصم العربية بأن قضية الصحراء لم تعد ملفاً حدوديا أو ورقة للمزايدات، بل أضحت قضية سيادة واستقرار تمس مستقبل المنطقة المغاربية برمتها. فالمغرب اليوم ينظر إليه باعتباره قوة توازن واستقرار، قادرة على بناء جسور التعاون والتنمية في إفريقيا والعالم العربي، في حين تتراجع الجزائر إلى موقع المتفرج، أسيرة خطاب جامد لم يعد يجد صدى خارج حدودها.
لقد اختارت بيروت أن تصطف إلى جانب المنطق والشرعية، في حين اختار النظام الجزائري المضي في سياسة العناد المكلف، التي حولت خزينة الدولة إلى مصدر تمويل لحملات عبثية تروج لوهم الانفصال. فبحسب تقارير إعلامية فرنسية وإفريقية موثوقة، تجاوزت النفقات التي خصصتها الجزائر لدعم جبهة البوليساريو ومؤسساتها الدعائية مئتي مليون دولار خلال خمس سنوات فقط. أموال طائلة صرفت على تنظيم مؤتمرات ومهرجانات، وتمويل جماعات ضغط في عواصم غربية وإفريقية، دون أن تحقق أي اختراق سياسي يذكر. بل على العكس، كانت النتيجة مزيداً من العزلة وتآكل المصداقية أمام الرأي العام الدولي.
في المقابل، نجح المغرب، من خلال دبلوماسية رزينة وهادئة يقودها الملك محمد السادس، في تحقيق إنجازات ملموسة على الأرض، تمثلت في فتح أكثر من ثلاثين دولة قنصلياتها في مدينتي العيون والداخلة، وهو اعتراف ميداني لا لبس فيه بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. كما أجمعت قوى دولية كبرى مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا على أن مبادرة الحكم الذاتي تمثل الإطار الأكثر جدية ومصداقية وواقعية لحل النزاع، في انسجام مع مقاربة الأمم المتحدة القائمة على الحل السياسي المتوافق عليه.
من هنا، يكتسب الموقف اللبناني رمزيته وأثره البالغ فهو ليس مجرد إعلان تضامن، بل إشارة إلى أن العالم العربي بدأ يستعيد بوصلته تجاه قضية كانت لسنوات رهينة التضليل الإيديولوجي والإنفاق غير المجدي. فكلما أمعن النظام الجزائري في إهدار ثروات البلاد على مشروع وهمي، ازداد الاقتناع الدولي بأن المشكلة الحقيقية ليست في الصحراء، بل في من يرفض الاعتراف بحقائق التاريخ والجغرافيا.
وهكذا يتضح أن الموقف اللبناني لم يربك فقط حسابات الدبلوماسية الجزائرية، بل عمق عزلتها وكشف حدود خطابها الدعائي. فالمغرب ماض في ترسيخ حضوره الدبلوماسي بهدوء وثقة، مؤمنا بأن الصدق في الموقف والوضوح في الهدف هما أعظم استثمار سياسي. أما النظام الجزائري، فسيظل يواجه الحقيقة التي حاول طمسها بالإنفاق والدعاية أن الصحراء مغربية، وستبقى كذلك، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.



