حموشي والمنصوري.. 20 سنة من التكامل والنجاحات تحت القيادة الملكية.. وهذه خبايا حملة “صراع الأجهزة”

منذ بداية صيف 2025، تصاعدت موجة من المقالات المدفوعة التي نشرتها صحف فرنسية وإسبانية حول المغرب، أبرزها “لوموند” في باريس و”إل كونفيدنسيال” و”الإندبندينتي” و”إل إسبانيول” في مدريد. هذه المواد، التي قُدمت في صيغة “تحقيقات استقصائية”، بينما في واقع الأمر هي حملة ممنهجة كتبت من نفس المحبرة، نسجت خيطا واحدا مفاده أن البلاد تشهد حربا خفية بين المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST) والمديرية العامة للدراسات والمستندات (DGED).

على مدى أسابيع، عُرضت تفاصيل بروتوكولية ولقطات مجتزأة ومعطيات مفبركة لتقديمها كأدلة على أزمة داخلية. غير أن قراءة متأنية للمضامين، وربطها بالوقائع الثابتة، يُظهر أن ما يجري ليس كشفا وإنما هو بناء حملة سردية منظمة هدفها تقويض صورة المؤسسات الأمنية المغربية وضرب مصداقيتها الدولية.

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا هذا الإصرار على سردية “حرب الأجهزة”؟ الجواب يكمن في الخلفيات السياسية. المغرب عزز خلال السنوات الأخيرة موقعه كشريك لا غنى عنه في مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية، معترفا به من طرف فرنسا وبلجيكا وإسبانيا والولايات المتحدة. غير أن هذا النجاح لم يرضِ بعض اللوبيات المتضررة في باريس ومدريد، فضلا عن الجزائر التي لا تُخفي عداءها، إلى جانب بعض الدوائر الخليجية وتحديدا الإمارات التي ظهرت بعض بصامتها في الحملة. هنا تتحول الصحافة إلى مكبر صوت لحملات موجهة، تختلق أزمات داخلية للتشويش على صورة المغرب.

خلال السنوات الأخيرة، تحوّل المغرب إلى أحد أبرز الفاعلين الأمنيين في المنطقة، بل وأصبح شريكا أساسيا لعدد من الدول الأوروبية والأفريقية في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. هذا الحضور المتنامي أزعج خصوما إقليميين وأثار لديهم رغبة في التشويش عبر تسويق سرديات ملفقة عن وجود “حرب أجهزة” داخلية بين المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST) والمديرية العامة للدراسات والمستندات (DGED). غير أن الوقائع الميدانية والنجاحات العملياتية تفند هذه المزاعم وتكشف أن الحديث عن صراع داخلي ليس سوى انعكاس لمخاوف خارجية.

لقد أثبتت الأجهزة المغربية، بقيادة عبد اللطيف حموشي ومحمد ياسين المنصوري، أنها قوة مرجعية في مواجهة التهديدات العابرة للحدود. ففي منطقة الساحل، ساهم الدعم الاستخباراتي المغربي في تمكين القوات النيجرية من تصفية زعيم جماعة “بوكو حرام” إبراهيم مامادو في جزيرة شيلوا بديفا. العملية أظهرت مدى فعالية الجهاز الخارجي المغربي في توفير المعلومات الدقيقة التي تمكّن الحلفاء من حسم معارك استراتيجية. إنها لحظة تؤكد أن التنسيق بين الداخل والخارج في المغرب لا يتجسد فقط على المستوى الوطني، بل ينعكس أيضا في الأدوار الإقليمية.

وعلى الضفة الأخرى من المتوسط، سجلت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني سلسلة من الإنجازات التي رسخت صورتها كشريك موثوق. فقد كانت وراء توقيف شخصيات بارزة من عالم الجريمة المنظمة الفرنسية، من بينها فيليكس بينغي، زعيم عصابة “يودا”، كما قدمت معلومات أساسية للحرس المدني الإسباني سمحت باعتراض سفينة “سكاي وايت” التي كانت تحمل ثلاثة أطنان من الكوكايين. هذه الوقائع لا تبرهن فقط على صرامة الجهاز المغربي، بل أيضا على الثقة المتبادلة بينه وبين الأجهزة الأوروبية.

إلى جانب ذلك، لعبت المملكة أدوارا دبلوماسية موازية تعكس تداخل الأمن والسياسة تحت إشراف مباشر من الملك محمد السادس. فقد قاد تدخل سيادي إلى الإفراج عن أربعة عملاء فرنسيين كانوا محتجزين في واغادوغو، ما أبرز أن ثقل المغرب يتجاوز مكافحة الإرهاب ليشمل الوساطة الاستراتيجية مع دول الجوار. هذا البعد يفسر أيضا كيف ينظر الغرب إلى الرباط كفاعل لا يمكن تجاوزه في أي معادلة تخص الساحل أو أمن المتوسط.

إن الأمثلة المشار إليها حول الريادة الإقليمية والدولية للأجهزة المغربية، سواء في منطقة الساحل أو في مكافحة الجريمة المنظمة بأوروبا، ليست سوى عينة من سجل أكبر بكثير. فالمؤسستان راكمتا عبر عقود رصيدا من الإنجازات التي لم يُكشف سوى عن جزء محدود منها للرأي العام، فيما يظل الباقي ضمن سرية العمل الاستخباراتي الذي لا يقاس بعدد البلاغات وإنما بفعاليته على الأرض واعتراف الشركاء الدوليين به.

ولعل ما يجعل التنسيق بين DGST وDGED استثنائيا هو أنه لم يعد يقتصر على حماية الأمن الوطني، بل أصبح ركيزة في منظومة أمنية إقليمية ودولية أوسع. من إحباط هجمات إرهابية في أوروبا، إلى تفكيك شبكات تهريب عابرة للقارات، إلى المساهمة في الوساطات الدبلوماسية المعقدة، يظل سجل المؤسستين حافلا بإنجازات تتجاوز بكثير الأمثلة التي يُسمح بنشرها، ليؤكد أن المغرب ليس مجرد متلقٍّ للتعاون الأمني بل فاعل محوري في صناعته.

إن ما تروجه لوموند وبعض الأقلام الإسبانية لا يعكس أي واقع داخلي بقدر ما يجسد حرب سرديات ضد المغرب. فالمؤسسات الأمنية، بقيادة حموشي والمنصوري، تشتغل في انسجام واضح منذ أكثر من عشرين سنة، تحت إشراف مباشر من الملك محمد السادس. ما يوجد في المغرب ليس حرب أجهزة، بل تكامل وظيفي بين الداخل والخارج، في مواجهة تهديدات عابرة للحدود. وما يروَّج خارجيا ليس سوى دعاية مصطنعة، تستند إلى التهويل والتناقض، بينما الواقع الملموس يثبت انسجاما مؤسساتيا ونموذجا أمنيا يحظى باعتراف دولي واسع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى