كاريكاتير..من ضجيج اليوتيوب إلى كنس الشارع الكندي العدالة تضع جيراندو في حجمه الطبيعي

الحمد لله الذي لا تخطئ موازينه، ولا يغفل عن أنين الحق، فقد جاء اليوم الذي سجدت فيه الشماتة احتراما للعدالة، وابتسم فيه التاريخ لأن الكذب هزم أخيرا أمام مكنسة متواضعة ومريول خدمة عمومية. لحظة لا تشبه مشاهد الانتقام، بل تشبه عدالة السماء حين تترجم على الأرض بأحكام باردة وواضحة، لا تصرخ، لا تبرر، بل تطأطئ رأس الفوضى وتجبرها على تنظيف ما لوثته بلسانها.

لم يكن هشام جيراندو يوما صوتا للحق، ولا حتى صدى له. بل كان، ومنذ أول ظهور له على حافة اليوتيوب، طبالا رقميا لحفلات الشتيمة المجانية، يوزع الاتهامات كما توزّع المنشورات في الزقاق، بلا حجة، بلا مروءة، وبلا كفاءة.

ومن قناة صاخبة، إلى محكمة صارمة، ثم إلى شارع تكنس فيه يداه آثار ما اقترفته كلماته، تكتمل اليوم فصول المهزلة… لكن هذه المرة، بخاتمة تليق برجل خذل حتى الكذب نفسه.

رجل بدأ نادلا وهو شرف لم يقدّره ثم فشل في التجارة، فاتهم السوق، وفشل في الاستثمار، فإتهم الدولة، وحين فشل في الحياة، اتهم الجميع بالخيانة. وعوض أن يصمت ويراجع النفس، قرر أن يتحول إلى بوق إلكتروني يُبث منه الحقد على مدار الساعة، يسميه “نضالا” ويسميه الناس “تفاهة وقحة”.

لكن بقدر ما صبر الحق، جاء القضاء الكندي بيقين لا يتلعثم، ليحكم عليه بسجن نافذ، وغرامة مالية قدرها عشرة آلاف دولار كندي، وأداء 150 ساعة من الخدمة المجتمعية. حكم أنيق، خال من الصراخ، لكنه أشد وقعا من ألف فيديو مفبرك، لأن القضاء حين يتكلم، يصمت المهرّجون.

ومن لم يرتدع من الحكم الأول، تلقى الثاني سريعا، في أقل من عشرة أيام، بعد شكوى جديدة من المحامي المغربي عادل سعيد لمتيري، لتضاف إلى فاتورته المليئة بالأكاذيب تعويضات تتجاوز 164 ألف دولار كندي.

أما المغرب، فلم ينتظر طويلا، بل أصدر عليه حكما غيابيا بالسجن 15 سنة نافذة بتهم إرهابية ثقيلة، تتعلق بتكوين عصابة إرهابية، والتحريض، والدعوة إلى العنف في مشروع جماعي للمس بالنظام العام.

وهكذا، اجتمعت عليه الأرض من ثلاث جهات في كندا، مجرم يكنس الشارع، في المغرب، متابع في قضايا إرهاب،
وفي قناته، مهرّج يتكلم وحده ولا يرد عليه أحد.

كان يظن أنه يطعن من فوق، فاكتشف أنه يضرب الهواء.
كان يظن أن الصوت العالي يغني عن الحجة، فوجد نفسه يتكلم في الفراغ.

توهم أن النيل من عبد اللطيف حموشي سيمنحه شهرة بين الجموع، لكنه نسي أن العلو لا ينال بالقذف في القمم. أراد أن يصعد على أكتاف الكبار، فاختار أن يصرخ في اتجاه مؤسسة مشغولة ببناء الوطن، لا بالرد على الهواة. فعبد اللطيف حموشي ليس نجما من ورق، بل ركيزة من صخر، لا تزعزعها زوابع المراهقة الإعلامية، ولا تلتفت لمن يحترف الضجيج في زقاق النسيان.

وهنا سقط هشام جيراندو في الفخ الأكبر لم يظفر لا بالرد، ولا بالمحاكمة، ولا بالشهرة.
وجد نفسه وحيدا، في زنزانة أخلاقية قبل أن تكون قانونية، يقضي أيامه بين دفع الغرامات، ومسح البلاط، وتصوير فيديوهات قديمة لإقناع نفسه أنه ما يزال مؤثرا!

ومن كان يدعي أنه “صوت من لا صوت لهم”، سحبت منه آخر ذرة مصداقية، وظهر على حقيقته مفلس ماديا، مدان قانونيا، ومنبوذ اجتماعيا.

وإن كانت “الحرية” هي رايته الزائفة، فالعدالة الآن قد طهّرت الساحة من هذا الادعاء.
وإن كان قد اتخذ من “القضية” درعا للكذب، فقد ارتد الدرع عليه، وكشف وجهه الهزيل أمام الكاميرا، قبل أن تكشفه المحاكم بالوثائق.

في النهاية، لم تكن المعركة متكافئة يوما فبين عقل مؤسسة، ولسان حاقد، النتيجة محسومة سلفا.

وما أنا إلا مواطنة رفعت أكفي شاكرة وأطلقت ابتسامة لأن هشام جيراندو اليوم لا يعد يسمى “يوتيوبر”، بل بات ينادى برقم ملف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى