الجامعات المغربية وتحديات التصنيف العالمي.. هل تملك مؤسسات جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس رؤية واضحة لتطوير البحث العلمي؟

أصدرت مجلة تايمز للتعليم العالي للجامعات العالمية ( Times Higher Education World University Rankings) تقريرها السنوي لتصنيف الجامعات لسنة 2025 وهي مجلة علمية كانت تتعاونُ معَ بعض الشركات الناشئة للقيام بتصنيف الجامعات العالمي كيو إس، قبل أن تتحول المجلة للتعاونِ معَ تومسون رويترز في نشر نظام التصنيف الجديد.
وتعملُ المجلّة في الوقت الحالي على نشر تقرير يضمّ أفضل الجامعات العالمية مع تصنيفات أخرى وهي أفضل الجامعات في آسيا، أمريكا اللاتينية ثم أفضل الجامعات في الدول ذات الاقتصادات الناشئة. وتتميز منهجية المجلة بالدقة العلمية في تصنيف الجامعات العالمية، من حيث وضوح المعايير المعتمدة ومواضيع التصنيف.
فمن حيث المنهجية ترتكز مجلة تايمز على منهجية واضحة تقوم على 13 سِمة مجمعة تحت خمس فئات: التدريس (30%)، البحث العلمي (30 %)، الاستشهادات بأبحاث الجامعة أو المؤسّسة البحثية (32.5%)، المكانة على المستوى الدولي (5%) ثمّ حجم الدخل (2.5 %).)، وأما من حيث مواضيع التصنيف فإن مجلة تايمز بمختلف التخصصات الأكاديمية لكنّه يركزُ على ستة مجالات معرفية وهي الآداب والعلوم الإنسانية، علوم الصحة، الهندسة والتكنولوجيا، علوم الحياة، العلوم الفيزيائية ثم العلوم الاجتماعية.
وفي ضوء هذه المعطيات الهامة التي تعتمدها مجلة تايمز في تصنيف الجامعات العالمية، يتساءل الرأي العام الأكاديمي عن موقع الجامعات المغربية ضمن تصنيف الجامعات العالمية لسنة 2025 . باستثناء الرتبة المشرفة التي احتلتها جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية ببنجرير ضمن قائمة أفضل 500 جامعة عالمية في تصنيف “تايمز للتعليم العالي” لعام 2025. بتصدرها قائمة الجامعات في المغرب والرتبة الرابعة على المستوى الإفريقي .
ومن المتوقع أن تزيح جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية ببنجرير الجامعات الثلاث الأولى بالنظر إلى حداثة تأسيسها سنة 2017 ، فيما ذيلت الجامعات المغربية الأخرى مراكز التصنيف على المستوى الإفريقي باحتلال جامعة ابن طفيل المرتبة 58 ، وجامعة محمد الخامس المرتبة 63 متبوعة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس التي احتلت المرتبة 65.
وهنا يتساءل الرأي العام الجامعي والوطني عن الأسباب الحقيقية لهذه المراتب المتدنية للجامعة المغربية رغم رصد ميزانية هامة للبحث العلمي ضمن الميزانيات العامة للجامعات المغربية.
فحسب معطيات متوفرة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس يرى كثير من الأكاديميين والباحثين أن الأسباب الحقيقية لهذه المراتب المتدنية للجامعات المغربية لا ترجع بالدرجة الأولى إلى حجم الميزانية المرصودة للبحث العلمي، على اعتبار أن هذا المعيار لا يحتل إلا مكانة ثانوية ضمن معايير التصنيف، إذ لا يتجاوز نسبة مساهمته %3 في تصنيف تايمز، بقدر ما يرتبط بغياب مشاريع التطوير في بعض المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح بصفة عامة واستراتيجية تطوير البحث العلمي بصفة خاصة عملا بالقول المأثور فاقد الشيء لا يعطيه.
وفي هذا الصدد صرح بعض المهتمين بالموضوع أنه على الرغم من اعتماد جامعة سيدي محمد بن عبد الله في استراتيجيتها لتطوير البحث العلمي، على مجموعة من الإجراءات العملية لتطوير البحث العلمي عبر تخصيص ميزانية ضخمة للمختبرات وبنيات البحث العلمي والعمل على مواكبتها وتحفيزها على الانخراط الجماعي في البحث العلمي المتنوع والمتعدد، وتشجيع الانفتاح الخارجي من خلال التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات الدولية مع العديد من الجامعات الأجنبية والمراكز البحثية.
غير أن تلك الإجراءات تصطدم بمجموعة من عوائق التنزيل وفي مقدمتها انعدام تصور واضح لتطوير البحث العلمي في بعض المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح ومحدودية كفاءة بعض المسؤولين في مواكبة متطلبات البحث العلمي، وتعطيل العمل بكل الاتفاقيات الدولية و عدم تشجيع الأساتذة الباحثين على المشاركة في العروض العلمية التي تطلقها الجامعة والمؤسسات العلمية الدولية والوطنية المختلفة وعدم تطوير قدرات الأساتذة الباحثين في مجال النشر العلمي، وعدم توفير الشروط الموضوعية داخل المؤسسات الجامعية لنجاح مشاريع بحثية طموحة قادرة على تجميع كل الطاقات حول أهداف محددة ومشتركة، مما جعل مجالات البحث العلمي بالمواصفات الدولية، في بعض المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح تدنو من درجة الصفر، وحول تلك المؤسسات الجامعية إلى ثانويات كبيرة.
لا شك أن هيكلة البحث العلمي على صعيد جامعة سيدي محمد بن عبد الله من خلال توحيد مراكز الدكتوراه في قطب واحد يقتضي جعل بعض المصالح الإدارية في صلب عملية البحث العلمي من خلال العمل على مصاحبة الطلبة الدكاترة في إنجاز أبحاثهم العلمية ومواكبة الأساتذة الباحثين ومدراء البنيات البحثية في تسيير بنياتهم. ولتحقيق هذه الأهداف وتجاوز هذه الوضعية، يتعين العمل على:
– انتقاء مسؤولين أكفاء يتمتعون بسمعة أكاديمية وطنية ودولية محترمة، قادرين على ترجمة استراتيجية الجامعات في النهوض بالبحث العلمي.
– عدم الجمع بين أعناق المتنافرات في تكوين المختبرات، والعمل على تكوين مختبرات متجانسة بعيدا عن التدخلات الإدارية التي تفسد العملية العلمية برمتها.
– إرساء مجلس تنسيقي لمسؤولي البنيات البحثية المعتمدة لتشخيص وضعية البحث العلمي داخل المؤسسات الجامعية في أفق البحث عن الحلول المناسبة لمختلف الصعوبات والتحديات المرتبطة بالعراقيل الإدارية السائدة.
– العمل على تبسيط الإجراءات الإدارية للأساتذة الباحثين في كل العمليات المرتبطة بالبحث العلمي (النشر في المجلات المصنفة، تنفيذ المشاريع المندمجة …
– العمل على مصاحبة بنيات البحث العلمي في كيفية إنشاء المشاريع البحثية التي تستجيب لحاجيات السوسيو اقتصادي.
– إخبار الطلبة الباحثين بالمنح الدراسية التي تقدمها المؤسسات الوطنية والدولية.
– تجويد الإدارة المالية لميزانية المختبرات وإخضاعها للمراقبة البعدية.