أطراف موالية لفرنسا تتواطؤ مع الأخيرة ضد قضية الصحراء المغربية وتدعوها إلى عقد “مؤتمر دولي” يخدم مصالح النظام الجزائري

ماذا يعني أن تكون مغربيا وتدعو دولة أجنبية إلى التقرير في أرضك وترابك وقضية وطنك الأولى يُجمع عليها المغاربة والتاريخ بمشروعيتها؟

ماذا يعني أن تكون مغربيا وعِوض أن تصطف كجندي مجند كباقي المغاربة للدفاع عن وحدة وسيادة بلدك، (عوض هذا) تهرول إلى دعوة بلد أجنبي لحل نزاع هو من يغذيه في الأصل؟

ماذا يعني أن تكون مغربيا، لكن في خطاباتك وآرائك ومقالاتك ومداخلاتك وتحليلاتك وتغريداتك وحركات وسكناتك، تنطق بلسان بلد آخر غير المغرب؟ بلد يعاديه في العمق ويضاعف من منواراته العدائية في الآونة الأخيرة.

ماذا يعني أن تكون مغربيا، لكن تجعل من غطائك، الأكاديمي أو الإعلامي أو الصحفي أو الحقوقي، (تجعله) في خدمة أطروحات أخرى غير أطروحة قضية بلدك الأولى؟

ماذا يعني أن تكون مغربيا، وأن توقع في نفس الوقت على نداء موجه لدولة أجنبية -كانت في حقبة تاريخية معينة مغتصبة لأراضي بلدك وثرواتها- لدعوتها إلى لعب دور “المنقذ” وتلبسها ثوب “السوبرمان” الذي بيده الحل السحري لنزاع هي أول من في مصلحتها أن يستمر، لا أن يُحل؟

ماذا يعني أن تكون مغربيا -يُفترض أنه يموت ويحيى من أجل أرضه- يتخذ موقف الحياد في قضية أرضه، بل وبشكل غير مباشر يصطف في الجهة المعادية بإقرارٍ موقع ومنشور في وسائل إعلام نفس الجهة المعادية؟

ماذا يعني أن تكون مغربيا، لكن تخلو منك كل قيم وصفات ومبادئ “تامغرابيت”؟

ماذا يعني أن تكون مغربيا، لكن ولائك لوطن آخر غير المغرب؟

قد يقول قائل أنه لا يحق لأحد أن يوزع صكوك الوطنية والولاء، وهو بالفعل منطق معقول. ولكنه نفس المنطق يقول أنه لا توجد منزلة بين الوطنية والخيانة. أو كما يقال في العامية المغربية: إما معانا أو مع غانا؟.

المراد من هذه المقدمة هو التفاعل والتسائل حول ما جاء في مقال لصحفية “لوموند” الفرنسية، نشر يومه الخميس 16 فبراير، بعنوان: “الصحراء الغربية: يجب التفكير الآن في تسوية النزاع في إطار مؤتمر دولي”، أعلن من خلاله مجموعة من الأكاديميين من جنسيات مختلفة (فرنسية، مغربية، تونسية…الخ) دعوتهم الدول الأوروبية، وعلى وجه الخصوص فرنسا، إلى التدخل لحل النزاع المتصاعد بين المغرب والجزائر بشأن قضية الصحراء.

وحسب المقال المذكور، بادر “ائتلاف” من الأكاديميين والصحافيين والحقوقيين، إلى توقيع نداء موجه للدول الأوروبية، وبالأخص إلى فرنسا، للتدخل في نزاع الصحراء، بهدف تفادي نشوب حرب مزعومة وشيكة بين المغرب والجزائر، بدعوى أن لفرنسا امتداد تاريخي في المنطقة، داعين إياها ألا تبتعد عن نزاع الصحراء، وتعيد النظر في العلاقات مع “مستعمراتها” السابقة، في ظل محاولة كل جانب الضغط على حلفائه من أجل تبني الموقف الذي تريده.

أن تصدر مناورات بهذا الشكل من طرف دواليب القرار في فرنسا، وتمررها عن طريق صحيفة “لوموند” التي تحولت في الأيام الأخيرة إلى منصة غير رسمية تخاطب من خلالها الدولة الفرنسية، المغرب، (أن تصدر مناورات بهذا الشكل) فذلك أمر اعتادت عليه الرباط واعتاد عليه المغاربة.

لكن، أن يكون المتزعمين لهذه المناورة مغاربة، فذلك ما لا يمكن تقبله أو بالأحرى ما يدفع إلى دق ناقوس الخطر بشأن مؤامرة جديدة تسعى الأطراف المعادية للمغرب إلى تنزيلها، بعدما توالت النكسات في مخططاتها السابقة التي سعت من خلالها إلى إفقاد ثقة المغاربة في مؤسسات بلادهم، كمدخل لزعزعة استقرار البلاد وإشاعة الفوضى.

الائتلاف المذكور في مقال “لوموند”، تتزعمه دكتورة العلوم السياسية، خديجة محسن فينان، مغربية الأصل، وعضوة في اللجنة العلمية لـ “مؤسسة هشام العلوي”، والذي (الائتلاف) ضم من المغاربة كل من فؤاد عبد المومني، أبو بكر الجامعي، وعمر بروكسي.

هم نفس الوجوه التي ألف المغاربة أن يروها بانتظام على شاشات القنوات العمومية الفرنسية كلما تعلق الأمر بحملة عدائية ممنهجة ضد المغرب، وكلما تعلق الأمر بمواقف سلبية تمس الوحدة الترابية للمغرب.

هم ببساطة، الناطقون الرسميون لـ”ماماهم فرنسا” في المغرب، أو بالأحرى “البنعرفات الجدد” (جمع بنعرفة)، إن صح تسميتهم كذلك. تم استنفارهم على وجه السرعة للتعبير بطريقة غير مباشرة عن موقف فرنسا الحقيقي تجاه قضية المغرب الأولى، وكأن لسان حالها، أي فرنسا، يقول: “أنا لن أعترف بمغربية الصحراء، بل أريد من المغرب أن يطلب مني وساطة، أريد منه أن يستعطفني ويتذلل إلي كي أتدخل لإطفاء التصعيد بينه وبين الكابرانات، ذلك التصعيد الذي أنا من أشعلته في الأصل، أما أن أعترف بسيادة المغرب على الصحراء، فهذا ما لا تستطيع فرنسا فعله على حساب الجزائر”.

هذا هو موقف فرنسا الحقيقي الذي تطوع “البنعرفات الجدد” إلى تمريره تحت مسمى “نداء ائتلاف أكاديميين” وهو نفس الموقف الذي عبرت عنه فرنسا منذ أيام قليلة فقط، من خلال صحيفتها “لوموند” في مقال بتاريخ 10 فبراير الجاري، بعنوان: “لعبة التوازنات الفرنسية مع المغرب والجزائر محفوفة بالمخاطر”، تحدثت فيه عن المصاعب التي تواجهها الدبلوماسية الفرنسية في تحقيق توازن يرضي أكبر دولتين مغاربيتين الجزائر والمغرب.

ونقلت ذات الصحيفة عن مسؤول دبلوماسي قوله أن “فرنسا غير مستعدة الآن، حفاظا على العلاقات مع الجزائر، بتغيير موقفها من قضية الصحراء، فهي ستستمر في اعتبار الحكم الذاتي “حلا واقعيا للنزاع” دون الانتقال إلى الاعتراف بالسيادة المغربية على هذه المنطقة”.

هؤلاء الذين وقعوا على النداء المذكور، هم من ينصبون أنفسهم اليوم كممثلين للمغاربة للتحدث بلسانهم مع دولة أجنبية (فرنسا)، بل والتطبيل لها ودعوتها إلى التدخل، لا من أجل استصدار موقف لصالح بلدهم، بل لخدمة مصالح الجزائر التي تريد فرنسا أن تنقذها من المأزق الذي وضعت فيه بشأن نزاع الصحراء.

وللإشارة، فإن المناورة المشبوهة الجديدة هذه، تتزامن مع خرجة ممثل “البوليساريو” في أوروبا، الموريتاني المدعو أبي بشرايا البشير، الذي أدلى بموقف يصب في نفس الاتجاه الذي تروج له دواليب القرار في فرنسا عبر صحافتها أو عبر ناطقيها الرسميين في المغرب “البنعرفات الجدد”، السالفي الذكر.

وقال أبي بشرايا في نداء وجهه عبر قناة “ميزرات” أحد الأذرع الإعلامية للكيان الوهمي، بتاريخ 13 فبراير الجاري، أي منذ 3 أيام فقط، أنه حان لما يسمى بـ “الشعب الصحراوي” لفتح قنوات الاتصال مع القوى الحية للشعب المغربي لإقناعهم بأطروحتهم، مضيفا أن المغاربة لا يؤيدون ما سماه بـ “مغامرة الاحتلال العسكري للصحراء الغربية” بشكل كامل، وفق تعبيره.

وبرأي ذات المتحدث، فإن الشعب المغربي يضم في صفوفه وفي أوساطه “المستنيرة والفكرية” في إشارة إلى “البنعرفات” السالفي الذكر، أشخاصا يؤمنون بصواب “حق الشعوب في تقرير المصير”، وبالتالي يتحتم على “الصحراويين” الكشف عن زيف “الإجماع الوطني” للمغاربة حول قضية الصحراء، حسب تعبيره.

المراد من محاولة أبي بشرايا البئيسة للترويج لانقسام مزعوم وسط صفوف المغاربة حول مشروعية قضية الصحراء، والتشكيك في إيمان المغاربة بمغربية أرضهم، هو كسر الجبهة الداخلية والإجماع الوطني من الداخل، وهو نفس ما يسعى إليه أشباه المغاربة الذين لا يتوانون عن التطوع لخدمة “ماماهم فرنسا” كلما طلبت منهم ذلك، ما يعني أن هناك فعلا مؤامرة ضد المغرب، تنسج خيوطها من قصر الإيليزيه والمرادية على حد سواء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى