كواليس لقاء شنقريحة بماكرون: تعويض النفوذ الفرنسي بمنطقة الساحل/تسليح الجزائر/توجيه السلاح الفرنسي صوب البوليساريو وما خفي كان أعظم!!
في مقال صادر أمس الجمعة 27 يناير الجاري، تناولت صحيفة العرب اللندنية زيارة رئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة إلى فرنسا للقاء إيمانويل ماكرون وبعض المسؤولين البارزين داخل المؤسسة العسكرية الفرنسية. الزيارة المذكورة طبعا أسالت المداد الكثير حول كواليسها وغاياتها الحقيقية.
وفي هذا الصدد، أكدت ذات الصحيفة أن الزيارة تضمنت تأكيدات، بل تطمينات من الجانب الجزائري على كون عصابة الكابرانات قادرة على الحلول عسكريا محل النفوذ الفرنسي بمنطقة الساحل، وبالتالي التخفيف من وطأة انسحابه لما أبان عنه من ضعف في إحكام قبضته على الجهاديين المنتشرين هنالك.
ومن هذا المنطلق، يتابع ذات المصدر، فقد كشفت بعض العناصر المرافقة لقائد الجيش الجزائري إلى باريس، أن شنقريحة عبر عن استعداد بلاده للانتشار العسكري في منطقة الساحل والتغطية على الانسحاب الفرنسي وتخفيف تأثيراته، والتنسيق مع القوات المحلية في الحرب على الجهاديين، مذكرا بخبرات بلاده في الحرب على الإرهاب وامتلاكها معرفة دقيقة بالجماعات المسلحة.
وإمعانا في التقليل من شأن فرنسا عسكريا، ذهب شنقريحة، يستطرد كاتب المقال التحليلي، في هلوساته، حد عرضه على مسؤولي باريس تمكين الجزائر من الاضطلاع بدور مبعوث فرنسا في الساحل والصحراء، في محاولة لكسر شوكة غضب المنطقة على باريس، وهو العرض الذي أثار استغراب المسؤولين الذين التقوا به، خاصة أن فرنسا ما تزال تمتلك نفوذا وصداقات في المنطقة ولا تحتاج إلى أيّ جهة أخرى أن تستبدل دورها وتوحي وكأن باريس باتت معزولة في منطقة نفوذها التاريخي.
وحول الدوافع الكامنة وراء “صنطيحة” الجنرالات الراغبين في لعب دور الوساطة العسكرية بين فرنسا ومالي، يستطرد نفس المصدر، أن الأمر يُعْزَى إلى كون الجزائر تروج لأسطوانة مراكمتها لخبرات في الملف المالي عام 2015، حيث جرى التحضير لاتفاق السلم والمصالحة في مدينة كيدال المالية برعايتها. وهو المدخل الذي تعمل من خلاله على إقناع فرنسا بقدرتها على تطويق الأزمة بينها وبين المجلس العسكري في باماكو، وهي أزمة توسعت لتشمل دولا أخرى مثل بوركينا فاسو في ظل حصول البلدين على دعم روسي.
لكن العارفين بحال وأحوال الجزائر، أكانت اجتماعية أو سياسية، يشددون على كون الأخيرة أضعف من أن تنفع فرنسا أو حتى تضرها بالنظر إلى تقهقرها الدبلوماسي الملحوظ في الآونة الأخيرة، والذي كلفها خسارة الكثير من الملفات الحارقة بإفريقيا، في ظل الحضور القوي والوازن للدبلوماسية المغربية بشأن ملف الصحراء المغربية.
وبالعودة إلى الجانب الفرنسي، استغربت صحيفة العرب اللندنية من المواقف المتناقضة التي ما فتئت تعبر عنها باريس، حيث لم تدخر جهدا في الظهور بمظهر ضحية التوسع الروسي في إفريقيا، لكن في مقابل ذلك، لا تجد حرجا البتة في تعزيز التعاون الثنائي مع الجزائر، إحدى أكثر الدول دعما لموسكو في القارة السمراء.
ورفعا لأي لُبْسْ، توضح الصحيفة ذاتها، تعي فرنسا جيدا حجم المخاطرة إذا ما هي راهنت على الجزائر، لأن هذه الأخيرة قد تلبس ثوب المتعاون في العلن، بينما في السر تُضْمرُ نوايا أخرى تُبْقيهَا على تنسيق دائم مع روسيا، ثم تحرص على تأمين خططها في شمال مالي وكذا البلدان المجاورة من خلال موافقتها على وجود مجموعة فاغنر في المنطقة، وعلاقاتها المفترضة مع المجلسين العسكريين في مالي وبوركينا فاسو.
وتوضيحا للرؤى أكثر، يرى مراقبون أن المناورة الجزائرية مع فرنسا تهدف بالأساس إلى تفادي الغضب الأمريكي، بعد إفساح المجال للروس للدخول إلى منطقة الساحل وصولا إلى بوركينا فاسو من بوابة الجزائر. وتؤكد زيارة شنقريحة ازدواجية الجزائر، التي لا تزال حليفة روسيا الثابتة، رغم علامات التقارب مع كل من باريس وواشنطن، حتى أن التحالف مع موسكو يُعَدُّ من ثوابت الأجنحة المؤثرة داخل المؤسسة الجزائرية، بالإضافة إلى استعدادها لتوقيع عقد ضخم مع روسيا لتوريد أسلحة بقيمة تتراوح بين 12 و17 مليار دولار.
ولعل أولى بوادر تخوف النظام الجزائري من غضب الإدارة الأمريكية، تفترض الصحيفة اللندنية، هو محاولة قصر المرادية الدخول في شراكات ولقاءات مع الأمريكيين حول الإرهاب على سبيل المثال. إلا أن الجانب الأمريكي يعي جيدا مدى خطورة أنظمة سياسية تُحَابِ أعدائه وتحاول خَطْبْ وِدَّهْ في ذات الآن. لهذا، تستمر واشنطن في التلويح بشبح العقوبات الاقتصادية ضد حلفاء روسيا وبينهم الجزائر عن طريق قانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة الأمريكية.
أما الجانب الجزائري، فهو في بحث مستمر ومضني عن خطط وسيناريوهات بديلة تجنبه الغضب الأمريكي، وأكثرها دهشة هو إقدامه على تنويع مصادر تسلحه بعدما كان وفيا لحليفه الروسي، الذي يواجه حاليا أزمة في تغطية طلبات التسلح بسبب تبعات الحرب في أوكرانيا، المتوقع أن يطول أمدها وفق ما يروج على الساحة الدولية.
وبخصوص الارتفاع المطرد في ميزانية الدفاع الجزائرية وحصرها في 18 مليار دولار، أفاد خبراء في المجال أن فرنسا تعول كثيرا عليها لإبرام عقود بيع الأسلحة للنظام الجزائري، الذي من المرجح أن يوجهها عن سوء نية ومع سبق الإصرار والترصد، صوب حفنة التائهين في الصحاري، على غرار جبهة البوليساريو الانفصالية لاستفزاز المغرب ومحاولة النيل من وحدته الترابية. وهنا يطرح سؤال وجيه: أين فرنسا من الاعتراف بمغربية الصحراء في وقت تنوي فيه تسليح الجزائر التي تنتظرها صنيعتها البوليساريو بدورها للاستفادة من السلاح الفرنسي؟؟؟



