مُتَقَلِّبْ الود لا يُؤْتَمَنْ: شتان بين مغرب أمريكا التي تحفظ للمغاربة جميل الاعتراف باستقلالها ومغرب فرنسا اللاهثة وراء محاكاة الحقبة الاستعمارية من جديد

في عز الحملة الشرسة التي تقودها فرنسا من داخل قبة البرلمان الأوروبي ضد حليفها الاقتصادي المغرب، في خطوة يُرَادُ منها كسر شوكة نجاحاته المتوالية، نجد دائما الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف القديم والمتجدد للمملكة المغربية، (نجدها) تحافظ على مواقفها الثابتة إزاء المغرب، الذي لم تتنكر يوما لمعروفه المتمثل في كونه أول بلد في العالم يعترف باستقلال أمريكا. بل أكثر من ذلك، مسؤولوا البيت الأبيض لا يفوتون أي فرصة أو مناسبة سانحة إلا ويُذَكِّرُونَ المنتظم الدولي بهذا الحدث، وكلهم فخر بأن بلدا ينتمي إلى شمال إفريقيا قد اعترف عام  1777 باستقلال بلدهم.

هذا الجميل الذي يحفظه الأمريكيون بعناية ويَبْنُونَ تعاملهم مع المغاربة من خلاله، دفع المتعاقبين على كرسي البيت الأبيض لتطوير وتوسيع سبل وأوجه التعاون بين البلدين. وهو ما ترجمته الزيارات المتوالية التي أجراها عديد المسئولين الأمريكان للمملكة خلال السنوات الأخيرة، وما أعقبها من تطورات حاسمة في علاقات الجانبين، أسفرت عن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء على عهد الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب.

وللتذكير، فقد تم توزيع الإعلان الرئاسي الأمريكي، الذي يعترف بالسيادة الكاملة والتامة للمغرب على صحرائه، على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة، كوثيقة رسمية من وثائق مجلس الأمن، وباللغات الستة المعتمدة من طرف الأمم المتحدة.

ووعيا منها بجملة من الأحداث والتطورات التي شكلت ملامح التعاون الثنائي بين البلدين، استغلت  مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون المنظمات الدولية، ميشيل سيسون، مناسبة حلولها اليوم الأربعاء بالمغرب، في زيارة عمل، للإشادة بالدور الجوهري الذي ما فتئ يلعبه الملك محمد السادس في دعم السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحول العالم، حيث أكدت المسؤولة الأمريكية، في ندوة صحفية عقب مباحثات مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، “نقدر عاليا دور صاحب الجلالة الملك محمد السادس في دعم السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحول العالم”. كما جددت التأكيد على أن بلادها تدعم مخطط الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية باعتباره حلا جادا وذا مصداقية ثم واقعي، وهو ما يؤكد ثبات الأمريكيين على موقفهم اتجاه قضية الوحدة الترابية للمملكة، حيث تبنى البيت الأبيض نفس الموقف عام 2020، بالتأكيد على أن مقترح الحكم الذاتي بالصحراء  يبقى “جاد وموثوق وواقعي”، واصفا إياه ﺑ “الأساس الوحيد لحل عادل ودائم”، للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

وأضافت “هذا اللقاء كان، أيضا، فرصة لمناقشة انتخاب المغرب الأخير في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فضلا عن أهمية حقوق الإنسان”.

وأعلنت سيسون عن اجتماع مرتقب مع فريق الأمم المتحدة القطري لمناقشة كيفية دعم برامج المنظمة للتنمية الاقتصادية الإقليمية، وسبل عيش النساء والشباب، فضلا عن مساعدة اللاجئين والمهاجرين السريين. وأكدت أن الأمر يتعلق بقضايا “يأخذها شركاؤنا المغاربة على محمل الجد”.

كما رحبت المسؤولة الأمريكية بمساهمات المغرب في بعثات حفظ السلام الأممية عبر العالم، ولاسيما بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية (مونوسكو) وبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية إفريقيا الوسطى (مينوسكا)، وعمليات الانتشار الجارية في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية إفريقيا الوسطى.

فلربة درة نافعة، هذا الجفاء الأوروبي عامة والفرنسي خاصة، إنما قدمه البرلمان الأوروبي للمغرب على طبق من ذهب، كي يجري مراجعة فكرية و”غربلة” دقيقة للتمييز بين حلفائه الحقيقيين وأعدائه المتخفين في ثوب الحلفاء، ومن تم الانطلاق نحو مهمة ضخ دماء جديدة في قائمة الحلفاء القادرين على مواكبة تطلعات مغرب اليوم، الذي يسعى لعقد شراكات حقيقية ومتكافئة مع دول تحترم سيادته واستقلاليته التاريخية والاقتصادية. أما فرنسا ومعها القارة العجوز المنبطحة أمام الغاز الجزائري تبدو أكثر من أي وقت مضى متأخرة عن الركب، ولم تستوعب بعد كيف لإحدى مستعمراتها السابقة “المغرب” أن تخاطبها بمنطق “الندية” و”إستراتيجية رابح-رابح” التي عززت التمدد الاقتصادي للمغرب بالقارة الإفريقية مقابل تراجع النفوذ الفرنسي بها. ومما زاد الطينة بلة، هو دخول منافس قوي وشرس على الخط، إنها الولايات المتحدة الأمريكية التي نزلت بثقلها على خارطة الحلفاء وأربكت حسابات ماكرون، لذلك أصبح لا ينظر للمملكة بعين الرضا، منذ أن وقعت على اتفاقيات أبراهام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى