أبو وائل الريفي يكتب: ”الجماعة بعيون الآخرين من قلب دار الخلافة”

كما كان منتظرا، كانت العيون الأخرى التي طلبت منها قيادة جماعة عبادي ومتوكل محتشمة في قول الحقيقة كاملة للجماعة وأتباعها لأن تلك العيون لها مصلحة مع الجماعة وترى فيها خزانا بشريا وحطبا للحريق الذي يحلمون أن يسقط الوطن فيه كما ظهر من كلام فؤاد عبد المومني الجالس وراء شاشة حاسوبه من باريس حيث ينعم بعطلته.
ورغم الاحتشام والطابع المجامل الذي تقتضيه المناسبة لم تستوعب حويصلة رئيس الدائرة السياسية المتوكل الانتقادات التي وجهت للجماعة فوصفها باللكمات التي كان يتلقاها الأتباع واصفا حالتهم في درجة الاستفزاز التي كانوا عليها بأنه كان يرى بعضهم متأهبا للنهوض للرد على الانتقادات. والحقيقة أن هذا التمرين بين أن الجماعة غير مؤهلة لتلقي النقد الصريح والمزعج بدليل ما حفلت به مواقع التواصل الاجتماعي من استنكار الأتباع لتوفير منصة رسمية ممولة من أموالهم لليساريين للعب دور الأستاذية عليهم.
هل يمكن تصور عدلاوي واحد يقبل التخلي عن أطروحات الشيخ ياسين المقدسة ووضعها في دائرة النسبي؟ وهل يمكن تصور توفر قيادة الجماعة على الشجاعة الكافية لإعلان مراجعات لمقولات الشيخ؟ وهذا مطلب كل من تناوب على جلد الجماعة أمام الصف الأول لقيادتها دون رد منهم وكأنهم كلفوا المتحدثين بخدمة المناولة نيابة عنهم لعلهم يقنعوا الأتباع بما يعجزون عن الإفصاح به هم. فهل ينتظر أن تتجاوب الجماعة مع هذا المطلب؟ وهل يمكن أن يحصل تقدم في هذه المراجعات لإيقاع الطلاق مع مقولات الشيخ المؤسس التي يراها الكثيرون من قيادة الجماعة قيدا أبديا وسجنا للجماعة وتضييقا على هوامش حركتها؟
كان لافتا للانتباه إجماع المتدخلين على حالة الغموض التي تكتنف عمل الجماعة التي يخالطونها كثيرا ولكن لا يعرفون عنها إلا القليل. لذلك طالب متدخلون بشفافية أكثر للجماعة تجاه الرأي العام. هل يمكن أن نسمع في القريب العاجل، وحتى الآجل لا يهم الزمن، قيادة الجماعة تتحدث عن تدبير ماليتها وتعلن طريقة تنظيم عملها وتنشر القوانين التي تؤطر سيرها وتسمح بمعرفة ما يعتمل داخلها من صراعات بين تيارات بلغ الاختلاف بينها مرحلة العداء؟
تم توجيه اتهام الانتظارية والمحافظة للجماعة وعجزها عن المبادرة، وهو ما صار حوله شبه إجماع داخل أتباعها. لماذا لم تجب الجماعة عن أسباب ذلك؟ لماذا لا تعترف أن هناك شرخا واسعا بين القيادة والقاعدة حيث يهيم كل طرف في واد؟ والحقيقة أن هذا التوصيف ليس إلا مظهرا لحالة الانسداد التي تعيشها الجماعة منذ عقدين بعد أن فتح أمامها الباب مشرعا وتم تجاهل استفزازاتها فعجزت عن إقناع أجيالها الجديدة بالمقولات والوسائل التقليدية، كما عجزت عن الحفاظ على حصيصها الموروث الذي لم يكن محصنا ضد دوائر الزمن فسقط في اختبار المخالطة في 2011.
لم تستطع الجماعة استقطاب أجيال جديدة كما لم تستطع الحفاظ على أجيالها القديمة، وقد أحسن الشيخ ياسين التوصيف مرة حين أعلن متأسفا بأن معدل التطور العددي داخل الجماعة هزيل حيث يشترك 20 أخا في استقطاب أخ واحد، وليته أكمل وصف الحقيقة فأعلن حصيلة التساقط من مركب الجماعة الذي يفوق ما تستقطب بالعشرات.
العدل والإحسان جسد مترهل ومتهالك بلا روح ولا حوافز ولا أخلاق، وأقصى ما تبحث عنه اليوم هو أسباب تلصق فيها عجزها وفشلها لتستمر قيادتُها في الاستفادة من الريع الذي توفره مساهمات الأتباع التي يغتني منها الكبار ويصرفونها على الرفاق في ندوات ووقفات ليحيونهم من جديد مع العلم أنهم لن يرضوا عن هذه الجماعة التي خبروها جيدا ويعلمون حقيقتها الدموية كما أشار لذلك النهجوي الحاضر في المنصة وهو يلمح إلى جريمة قتل المعطي بوملي وأيت الجيد.
فقدت الجماعة السيطرة على أعضائها حين أصبحت جرائم الزنى وسطها تتواتر، وفقدت معها مصداقيتها حين صارت تنصب نفسها مدافعا عن المتلبسين بها بدون تثبت وتأكد من براءتهم. خسرت الجماعة بهذه المقاربة لهذه السقطات الكثير من أتباعها والمتعاطفين معها، ولن ينفعها ذلك في شيء لأن القانون أسمى من أن يخضع لابتزاز الجماعة مهما كانت قوتها.