ماذا يخفي المعطي منجب وراء ادعاءات التضييق ؟

إن حرية التعبير حق أساسي من حقوق الإنسان، طبقا لما هو منصوص عليه في الفصل 25 من الدستور المغربي، لما جاء في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. لكن، هناك فرق شاسع بين حرية التعبير والكذب.

فمن غير المقبول وغير الأخلاقي، أن ينادي الشخص باحترام حرية الرأي والتعبير، بينما أثناء ممارسته لهذا الحق، يمرر المغالطات ويبث بشكل ممنهج معطيات مضللة، على النحو الذي يخدم مصالحه “المشبوهة” أو من أجل التغطية على أخطائه أو جرائمه.

أسلوب غير أخلاقي البتة، سار على خطاه عدد من النشطاء الحقوقيين بالمغرب في الآونة الأخيرة، ولعل أبرز هؤلاء، الأستاذ المعطي منجب، الذي منحه القضاء مؤخرا السراح المؤقت، على خلفية تورطه في جريمة غسيل الأموال المتابع من أجلها منذ دجنبر سنة 2020.

فمنذ إطلاق سراحه بشكل مؤقت، وحتى أثناء البحث التمهيدي الذي كانت تجريه معه النيابة العامة، لم يكف المعطي منجب عن الإدلاء بتصريحات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مضللة، بشكل يدعو إلى التساؤل حول الأهداف الحقيقية التي يسعى إلى تحقيقها؟ وما السر وراء إصراره في كل خرجة إعلامية على الترويج لوقائع لا أساس لها من الصحة؟ كان آخرها الحوار الذي بُث على قناة على “اليوتيوب” لشاب مغربي مقيم ببلجيكا.

وما يثير الشكوك أكثر، هو أن الحلقة تم تسجيلها يوم 2 أبريل 2021، أي بأيام قليلة بعد الإفراج عن المعطي منجب، لم تُبث إلا أول أمس (23 أبريل). فلماذا انتظر القائمون على هذا الحوار كل هذه المدة لنشر الحلقة؟ 

الإجابة عن هذه الأسئلة يمكن اعتبارها تفاصيل ثانوية قد لا تهم الرأي العام، بقدر ما يهمه الكشف عن صحة ادعاءات المعطي منجب والكشف أيضا عن بعض تفاصيل تورطه في جريمة غسيل الأموال.

ومن جملة الأكاذيب التي روج لها منجب، هي أنه كان مجبرا على السفر إلى فرنسا بسبب تعرضه للقمع والمضايقات في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، أثناء نضاله داخل صفوف الطلبة، وهذا غير صحيح على الإطلاق.

فالمعطي لم يسبق له أن اعتقل أو تعرض للقمع في تلك الفترة، وسفره إلى فرنسا كان بغرض استكمال الدراسة والاستفادة من الامتيازات والمنح التي يتحصل عليها الطلبة هناك، كما سبق له أن زار المغرب وقتها مرات عديدة دون أن يتم اعتقاله.

أما بخصوص قضائه مدة 8 سنوات في السنغال، فلا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بأي نفي أو اعتقال أو تضييق على حرية الرجل، بل قضى كل تلك المدة هناك من أجل التدريس بإحدى الجامعات السنغالية.

كذب المعطي منجب لم يقف عند هذا الحد فقط، فعندما تفجرت قضية غسيل الأموال المتابع من أجلها، قال هذا الأخير وطيلة أسابيع، أن كل ما تداولته التقارير الإعلامية حول الاختلاسات المالية والممتلكات التي تتعارض مع مدخوله، غير صحيح، قبل أن يتراجع عن هذه الأقوال ويدلي برواية جديدة، مفادها أنه فعلا يملك كل ما سبق تداوله، وأن الممتلكات التي تحصل عليها قانونية وجاءت نتيجة مسيرة مهنية مرموقة.

وعندما أعلن المعطي منجب عن إصابته بفيروس كورونا المستجد، حمّل المسؤولية للمصالح الأمنية، وأن السبب في ذلك هو انتقاله إلى مقر الشرطة القضائية بالدار البيضاء للتحقيق معه في ملف غسيل الأموال. وقد تبين فيما بعد أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد محاولة لإثارة الانتباه واستجداء التعاطف معه، حيث اتضح أنه خلال نفس الفترة لم يكن المعطي يكف عن  التنقل من مكان إلى آخر وإجراء لقاءات صحفية دون الالتزام بالإجراءات الوقائية الخاصة بكوفيد-19، أبرزها ارتداء الكمامة.

المعطي منجب ذاته، ادعى أنه سيخوص إضرابا عن الطعام احتجاجا على قرار النيابة العامة، بفتح تحقيق معه بعد تورطه في جريمة غسيل الأموال، ليتبين فيما بعد أن الأمر مجرد كذب، لأنه يعاني من مرض السكري وأمراض مزمنة أخرى، ومن المستحيل أن يُعرض شخص في هذه الوضعية نفسه لهذه المغامرة الخطيرة.

الشخص ذاته، وعندما تم توقيف سليمان الريسوني المتابع بتهمة هتك عرض شاب مثلي بالعنف، قال في تدوينة له، أن 15 شرطيا بزي مدني اعتقلوا الريسوني بطريقة تعسفية، ليأتي الرد سريعا لكشف كذب المعطي، وتبين أن 4 أفراد من الشرطة فقط هم من قاموا بتوقيفه، وهذا ما يفسر قيام منجب بإجراء تنقيحات وتحيّينات متكررة على تدوينته.

كثيرة هي المغالطات والأكاذيب التي روّجها الأستاذ المعطي منجب، لا نعلم ما إذا كان يتعمدها، لكن المؤكد أن كل ما تم ذكره إلى حدود الساعة، كان كاذبا متكررا ولازال. وإذا كان المعني بالأمر يعلم أنه يكذب، فذلك إسمه تضليل، وإن كان يتعمد اختلاق الأكاذيب بشكل متكرر ثم يصدقها، فذلك إسمه الكذب المرضي.

وللتذكير ببعض تفاصيل قضية غسيل الأموال المتابع من أجلها منجب وأيضا لفهم أسباب ودوافع لجوء هذا الأخير إلى أسلوب التضليل، فقد كشفت تقارير أن عمليات الافتحاص المالي التي باشرتها وحدة معالجة المعلومات المالية UTRF مكنت من رصد توفر المعطي منجب على ثمانية حسابات بنكية؛ من بينها حسابان جاريان في اسم مركز ابن رشد للدراسات والتواصل، وأن هذا الأخير كان يعمد بطريقة متواترة لإبرام عقود “الاشتراك في الودائع لأجل”، إذ قام في ظرف ست سنوات فقط بإجراء 16 عملية بنكية مماثلة على الودائع المالية المنقولة، مما سمح له باستخلاص فوائد مالية مهمة، على الرغم من أنه عمد إلى إلغاء بعض تلك الاشتراكات قبل بلوغ أجلها البنكي المحدد.

وأشارت ذات المصادر، إلى أن وحدة معالجة المعلومات المالية رصدت أيضا توفر شقيقة المعطي منجب الصغرى على خمسة حسابات بنكية، بسقف تداول مالي وبتحويلات لاقتناء عقارات تجاوزت مليوني درهم، على الرغم من أنها تشتغل مُدرّسة في محو الأمية وفي إحدى دور الحضانة بمدينة ابن سليمان.

وكانت هذه الحسابات البنكية الأخيرة والتحويلات المالية التي تم إدراجها فيها هي التي أثارت الشكوك وزادت من حدة معالجة المعطيات المالية، ومعها شكوك الأشخاص الخاضعين لقانون غسل الأموال، بما فيهم المؤسسات البنكية ومؤسسات الائتمان المالي؛ بالنظر إلى محدودية الدخل الشهري عند شقيقة المعطي منجب، بيد أن تدفقات حسابها ناهزت 3 ملايين درهم في وقت وجيز، فضلا عن استعمال اسمها لاقتناء عقاريين بقيمة مالية ناهزت مليونان ومائة ألف درهم.

وفي ذات السياق، فإن الممثل القانوني لشركة (FIDUGAR SARL) المسؤولة عن حسابات شركة “مركز ابن رشد للدراسات والتواصل”، لم يتسلم قط من موكله (منجب) مستندات تبرر التحويلات التي تلقاها من الخارج، (4.737.881) درهما، (1.424.096) درهما من الولايات المتحدة الأمريكية والباقي من هولندا

المصادر ذاتها، أكدت أن أخته التي استخدمها كغطاء لتسهيل عملية غسيل الأموال، لديها خمسة حسابات بنكية عرفت كلها تحويلات كبيرة للأموال (3.000.000)، كما تمتلك أيضا خمسة عقارات، تتضمن ثلاث شقق.

وقد التزمت هي الأخرى الصمت في مواجهة أسئلة المحققين حول هذه التحويلات الضخمة، والعقارات، علما أنها تعمل كموظفة بسيطة في مؤسسة تعليمية خاصة. وذكر المصدر أن الشقيقة الأخرى للمعطي، ربة منزل، عبرت عن اندهاشها من المبالغ الكبيرة التي تمتلكها أختها، خاصة وأنها كانت تعيش في وضع مادي غير مريح.

فهل النضال من أجل الديمقراطية وحرية التعبير يبرر اختلاس أموال في حكم القانون هي أموال عامة؟ وهل “البوليس السياسي”، الذي ادعى المعطي منجب أنه موجود في المغرب،هو من قام باختلاس هذه الأموال؟

بعيدا عن نظرية المؤامرة والاستهداف وعن كل الجدل الذي يثار هنا وهناك حول متابعة المعطي منجب في جريمة غسيل الأموال، وبعيدا عن الغوغائية والنقاش العاطفي السريالي الذي يسعى إلى تحوير الحقائق بهدف تسييس القضية، فإن النقاش الحقيقي الذي يجب التركيز عليه، هو هل المعطي منجب متورط فعلا في جريمة غسيل الأموال؟ هل قام منجب باختلاس الأموال التي ترسلها له المنظمات الحقوقية؟

القضاء وحده القادر على الإجابة عن هذه الأسئلة، والقضاء وحده المخول لإثبات التهم الموجهة للمعطي منجب، وإلى ذلك الحين، يفترض في شخص يدعي النضال من أجل الحرية والديمقراطية أن يكف على الأقل عن نشر الأكاذيب والترويج للمغالطات، التي قد تكسبه بعض نقاط التعاطف، لكن بالتأكيد لن تخفي الحقيقة التي صار يعلمها الجميع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى