قضية ”الإمام إيكويسن” وبارون المخدرات ”حمبلي” تكشف حقيقة ”فرنسا ماكرون” الغارقة في الفساد الأمني والقضائي

تتخبط فرنسا على وقع فضائح سياسية خطيرة في ”عهد ماكرون”، حيث أصبحت هذه الدولة المعروفة بأنوراها في عهود سابقة تسقط في غياهب الظلام بسبب سياساتها المتخبطة.

من بين هذه السياسات التي تفضح فرنسا، هو ما واكبه المغرب خلال فضيحتين من العيار الثقيل، عرت عن حقيقة فرنسا على المستويين الحقوقي والأمني، وتفضح الانتهازية الكبيرة لفرنسا ”ماكرون”.

فبعد واقعة الإمام المغربي حسن إيكويسن التي فتحت الستار على الشوفينية الماكرونية في محاربة ما يسمونه بـ”الإسلاموية المتطرفة”، ظهرت في السطح فضيحة من العيار الثقيل تكشف مع الأسف الواقع الذي يتخبط فيه القضاء والأمن الفرنسي على المستوى الدولي، حيث أنه تورط في قضية بارون مخدرات فرنسي جزائري اسمه سفيان حمبلي، والذي لا زالت محاكته مستمرة بالقاعة 2 أمام غرفة الجنايات الابتدائية بالعاصمة الرباط.

قضية حسن إيسكويسن

ففي قضية حسن إيكويسن، عمل وزير الداخلية الفرنسية جيرالد دارمانان على الإبداع في الرد على أسئلة الصحافيين التي ظلت تطارده لأيام بشأن “احتمالية النكوص الأمني والاستعلاماتي في مراقبة الإمام حسن إيكويسين”. وفي كل مرة كان يرد فيها الوزير، كان يشهر ورقة “الديمقراطية المزعومة”، مدعيا أنه “ليس وزيرا للداخلية في دولة ديكتاتورية حتى يفرض رقابة أمنية على حسن إيكويسين قبل صدور حكم قضائي عن مجلس الدولة الفرنسي”.

وقام جيرالد دارمانان بالإدعاء على أن قضية الإمام المهدد بالطرد هي “انتصار كبير لفرنسا”! لكن إذا كان بمقدور الوزير السياسي الكذب وتنميق الحقائق وتحريفها خدمة لأجندات سياسية، فإن التقني ورجل الميدان غالبا ما ينزع إلى الحقيقة ولو نزعت أهواء رئيسه إلى غير ذلك. وهذا الكلام ينطبق على فريديريك فو، المدير العام للشرطة الوطنية الفرنسية، الذي أوضح، في تصريح لإذاعة أوروبا 1، “أن حسن إيكويسين كان يخضع لمراقبة متواصلة من طرف عناصر الاستعلامات الترابية التابعة للشرطة، والذين بذلوا قصارى جهدهم لضمان مراقبة الأماكن التي يرتادها هذا الإمام”، مشددا على “أن هذه المراقبات كانت على مدار 24 ساعة في ظروف صعبة لشخص كان يحاول التهرب من الشرطة واتخذ كل ترتيباته للفرار وفقًا للقرار الذي سيتخذه مجلس الدولة”.

وليس وحده المدير العام للشرطة الوطنية الفرنسية من فضح “الرواية الرسمية الزائفة” التي تبناها وزير الداخلية جيرالد دارمانان؛ بل إن هذه الرواية الكاذبة شكلت كذلك موضوع تهكم وتنمر من طرف الصحافة الفرنسية، فقد سخرت صحيفة «Le Canard Enchaîné» مما وصفتها “المهنية المتشنجة للدجاجات” في إشارة إلى المراقبة الأمنية “الخائبة” التي فرضتها الاستعلامات الترابية مدعومة بفريق أمني يتألف من عشرات الشرطيين المنتمين إلى القسم الوطني للأبحاث والدعم المتخصص الذي استقدمه محافظ جهة الشمال خصيصا من باريس محاصرة حسن إيكويسين وقطع أنفاسه.

ولم يقم جيرالد دارمانان بالتلاعب بالرأي العام الفرنسي في موضوع المراقبة الأمنية فقط، بل تلاعب كذلك بحقوق وحريات المواطنين الفرنسيين والأجانب المقيمين؛ فقد كشفت الصحافة الفرنسية أن الاستعلامات الترابية والقسم الوطني للأبحاث والدعم المتخصص أخضعوا منزل وهاتف حسن إيكويسين للمراقبة المتواصلة منذ السابع من شهر غشت الفارط! أي قبل أكثر من ثلاثة أسابيع من صدور الحكم القاضي بالموافقة على الإبعاد الذي قرره قضاء مجلس الدولة الفرنسي.

وهنا حري بمن يشهرون عاليا ورقة الديمقراطية الفرنسية، خصوصا وزير داخليتها جيرالد دارمانان، أن يشهروا أيضا التراخيص القضائية التي تأذن للمصالح الأمنية الفرنسية بالتصنت على هاتف حسن إيكويسين، وإخضاع سيارته لجهاز المراقبة والتتبع عبر مواقع التموضع العالمي؛ وذلك حتى قبل صدور القرار القضائي بالموافقة على الإبعاد من فوق التراب الفرنسي. فإذا كانت هناك فعلا أوامر قضائية ترخص بهذه العمليات الأمنية المستترة، فلماذا سكت عنها وزير الداخلية وحرّف الحقيقة لما نفى وجود المراقبة الأمنية؟ وإذا لم تكن هناك هذه الأوامر، وهذا هو الراجح، فهذا مؤشر عن “الديكتاتورية الحقوقية” التي طالما تحدث عنها العقل الباطن لجيرالد دارمانان في حواراته الأخيرة.

قضية بارون المخدرات الفرنسي الجزائري سفيان حمبلي

وعودة لنا إلى فضيحة بارون المخدرات الفرنسي الجزائري، وبالتحديد في القاعة 2 بمقر محكمة الاستئناف بالعاصمة الرباط، الذي يواصل القضاء المغربي محاكمته من أجل سلسلة طويلة من الاتهامات الخطيرة، والتي تتنوع ما بين القتل العمد والاختطاف والاحتجاز والتواطؤ مع الشرطة الفرنسية لانتهاك الاتفاقيات والصكوك الدولية لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية وإغراق أوروبا بما يناهز ثلث استهلاكها من مخدر الحشيش.

ومن الوقائع الخطيرة التي قام بسردها سفيان حمبلي، أنه كان يتاجر “في أطنان من المخدرات تحمل طابع “” OCRTIS، في إشارة أذهلت القضاة والمحامين مفادها أن جميع صفقات التهريب التي كان ينفذها من المغرب نحو فرنسا كانت تتم بتواطؤ وتغطية من مدير وأعضاء المكتب المركزي لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات التابع للشرطة الوطنية الفرنسية، والمعروف اختصارا بـ “OCRTIS”.

وكشف سفيان حمبلي الكثير من الاعترافات المزلزلة التي تكشف حجم الفساد الذي ينخر فرنسا من الداخل وفي الخارج؛ فقد أبرز أن الشرطة الفرنسية كانت تتلاعب لسنوات طويلة بجميع الاتفاقيات الدولية التي تكافح المخدرات والمؤثرات العقلية، لا سيما اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1988 واتفاقية باليرمو لسنة 2000. لكن كيف ذلك؟ يوضح سفيان حمبلي بأن المدير السابق للمكتب المركزي لمكافحة المخدرات كان يتولى إخراجه من السجن لتنفيذ عمليات تسليم مراقب للمخدرات، كانت تطلبها فرنسا من المغرب ويأذن بها القضاء المغربي في إطار اتفاقي؛ لكن سفيان حمبلي كان يغتنم هذه الوسيلة القانونية لتهريب ما بين عشرين وثلاثين طنا من المخدرات لحسابه الشخصي، بشكل رسمي وبإشراف من قضاء باريس وبتواطؤ من الشرطة الفرنسية.

ومن بين الحقائق المفاجئة التي أوردها سفيان حمبلي أنه نفذ العشرات من عمليات الاختراق والتسليم المراقب بالتواطؤ مع فرانسوا تيري، المدير السابق للمكتب المركزي لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات الفرنسي، وأن جميع عمليات القتل والتصفية الجسدية التي استهدفت بارونات مخدرات كانت تتم في فترات “الاستراحة القانونية” التي كانت يستفيد منها بمساعدة فرانسوا تيري، الذي كان يتولى إخراجه مؤقتا من السجن بدعوى تنفيذ عمليات الاختراق والتسليم المراقب للمخدرات.

وقد كشفت اعترافات سفيان حمبلي كيف أن فرنسا الرسمية خرقت بنود مبدأ عالمي هو “المسؤولية المشتركة للدول لمكافحة المخدرات”، وساهمت في إغراق أوروبا بأطنان من المخدرات بشكل رسمي، في وقت كان فيه سياسيوها ومسؤولوها يتهمون المغرب بإنتاج الحشيش؛ بينما الشرطة الفرنسية كانت في الواقع هي من تتولى تهريب المخدرات في مركبات وناقلات بحرية هي أشبه بـ”الحقائب الدبلوماسية”.

يشار إلى أنالمصالح الأمنية المغربية تمكنت بمدينة طنجة، يوم 23 أكتور من عام 2021، من إلقاء القبض على المدعو سفيان حمبلي، بعد أن قامت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بتحديد هويته عندما ولج إلى إحدى المصحات الخاصة بالمدينة من أجل تلقي العلاجات الضرورية من آثار اعتداء في اليد والعنق.

وقد تم إخضاع حمبلي للبحث القضائي تحت إشراف النيابة العامة المختصة، للكشف عن جميع أنشطته الإجرامية المرتبطة بالتهريب الدولي للمخدرات وغسيل الأموال، وخلال عملية الإستنطاق التي باشرتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، كشف المتهم عن فضيحة من العيار الثقيل، حيث أقر في تصريحاته أنه يعمل لصالح الأجهزة الأمنية الفرنسية، وأنه كان يجني ما بين 4 و5 ملايين أورو في كل عملية “اختراق كان ينفذها لفائدة الشرطة الفرنسية”.

وأضاف حمبلي أنه نفذ أزيد من خمسين عملية تسليم مراقب للمخدرات بين المغرب وإسبانيا وفرنسا، فيما حصل على أزيد من أربعة ملايين أورو عن كل عملية، بتنسيق مع فرانسوا تيري، المدير السابق للمكتب المركزي لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات ” OCRTIS ” .

وفي الأخير، لا يسعنا إلا أن نتأسف على الواقع المر الذي أصبح عليه حال فرنسا، التي نخرها الفساد من شتى الجوانب، لذلك ليس من الغريب أن سمعتها أصبحت مهب الريح أمام المنتظم الدولي بشكل عام، ولدى المغاربة بشكل خاص، كونها تعمل على تسخير أبواقها الإعلامية للمس بأي قضية تهم المملكة المغربية، ناهيك عن استهدافها للمغاربة المغتربين عبر ما يسمونه بـ”الإسلاموية المتطرفة”، وعملها على خرق أحكام تقنيات التسليم المراقب للمخدرات، فالأكيد أن صورة فرنسا بشكل عام لم تمسها الحملات الروسية والتركية واصينية كما يدعي الرئيس الفرنسي، ‘لكن سياسة ”فرنسا ماكرون” هي جعلتها أسفل سافلين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى