حملات التحريض ضد المؤسسات الأمنية.. بين استهداف الدولة وصمت النُّخب الرسمية

في الأشهر الأخيرة، تصاعدت وتيرة حملات التشهير والتحريض التي تطال المؤسسات الأمنية في المغرب، بشكل منظم ومتكرر، وعبر منصات رقمية تعتمد على التضليل، ونشر الاتهامات دون أدلة، واستهداف المسؤولين بالاسم والموقع. هذه الحملات، في مضمونها تحاول المساس مباشرة بهيبة المؤسسات وتحاول أن تضرب في العمق رصيد الثقة الذي راكمته الأجهزة الأمنية في الداخل والخارج.

ما يثير القلق ليس فقط نوعية الاتهامات أو الجهات التي تروجها، بل الصمت شبه الكامل الذي تقابل به من طرف النخب السياسية والحزبية، وحتى من قبل بعض المنظمات التي ما فتئت تطالب بالحكامة الأمنية وشفافية أداء مؤسسات الدولة. ففي الوقت الذي تتعرض فيه مؤسسات محورية لعمليات تشويه ممنهج، تختار العديد من الأطراف الوقوف في موقع المتفرج، وكأن الأمر لا يعنيها.

المفارقة أن نفس الجهات التي طالبت لعقود بإصلاح أمني ومزيد من تخليق المرفق العام، تتجاهل اليوم ما تتعرض له المؤسسة الأمنية من تشهير واتهامات زائفة لا تستند إلى أي قاعدة قانونية أو مهنية. بل الأسوأ أن هذا الصمت يُفهم أحيانا كموافقة ضمنية أو استثمار سياسي في الأزمة.

الأجهزة الأمنية من جهتها تقوم بدورها الطبيعي: فتح تحقيقات، تقديم متورطين للعدالة، وترك القضاء يبت في الملفات وفق ما توفر من قرائن. لكن هذه الإجراءات تبقى غير كافية ما لم تُواكب بخطاب سياسي واضح، ونقاش عمومي مسؤول، يضع الحد الفاصل بين حرية التعبير وبين استهداف مؤسسات الدولة والتشكيك في شرعيتها.

أمام هذا الواقع، يُطرح سؤال جوهري: ما موقع الطبقة السياسية مما يجري؟ وهل تدرك الأحزاب أن الدفاع عن المؤسسات السيادية، ولو من باب تأمين استقرار البلاد، لا يعني الاصطفاف الأعمى بل تأدية وظيفة الحماية المؤسساتية في لحظات التهديد؟

التهجم على مسؤولين أمنيين بشكل شخصي لا يمسهم كأفراد، بل يوجه رسائل سلبية للرأي العام، ويفتح المجال أمام فقدان الثقة في مؤسسات تمثل ركيزة النظام العام. وإذا استمر هذا الصمت، فإن ثمنه سيكون سياسيا بالدرجة الأولى، لأن استهداف المؤسسات لا يضعف فقط الأجهزة، بل يفرغ العمل السياسي من محتواه، ويجعل الجميع في موقع هش.

إن الدولة ليست مسؤولة فقط عن تطبيق القانون، بل أيضا عن حماية صورة مؤسساتها من التشويه المتعمد. والطبقة السياسية، بمختلف أطيافها، مطالبة بتحمل مسؤوليتها في هذه المرحلة، ليس دفاعا عن أفراد، بل دفاعا عن استقرار مؤسسات تتوقف عليها توازنات البلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى