أبو وائل الريفي يكتب: ”عندما يطالب المناضلون الجذريون بالحق في إصدار شيك بدون رصيد و تعطيل القانون و إخراس الإعلام”

أبو وائل ريفي
تتوالى الصدمات على الطوابرية تباعا، وكل واحدة تنسي في سابقتها وتزيدهم فضيحة عند المغاربة. يعيش “المعارضون الجدد” حالة اضطراب وارتباك غير مسبوقتين، وصاروا لا يدركون الوقع المنفر لتصرفاتهم على من يتابع سلوكاتهم وينصت لخطابهم. أصبح هؤلاء عند المغاربة رديفا لمن يفسر كل شيء بنظرية المؤامرة والاستهداف ويدافع عن حقه في خرق القانون وعدم الخضوع لمقتضياته ويتمسك علانية بحقه في أكل حقوق الناس بالباطل دون رقيب أو حسيب. يريد الطوابرية دولة يطبق فيها القانون على غيرهم فقط، ودولة لا يمارس فيها الإعلام حريته في الإخبار، وكل من خالف هذا المانفستو المقدس عندهم فهو مخزني وبلطجي وعياش وطبال وهلم جرا من النعوت التي صارت محفوظة وممجوجة وبدون معنى.
لقد كانت ضربة قاضية أصابت الطوابرية و”المعارضين الجذريين” وهم يطالعون خبر توقيف أحد زعمائهم المخلدين في مناصب القيادة بتهمة إصدار شيك بدون رصيد. كالعادة، تحركت الماكينة الدعائية بأسطوانتها المشروخة تستنكر النشر والتوقيف معا، وتستهجن تحريك مسطرة قانونية عادية ضد معارض تمنحه صفته الحزبية والنضالية مواطنة استثنائية VIP، وتجتهد في البحث عن تخريجة منطقية لدحض سبب التوقيف وتحويره ليصبح استهدافا للرفيق الحريف الذي يوجد في مدينة طنجة لتأطير نشاط حزبي!!. يحاول كالعادة حياحة الطوابرية توجيه اهتمام الرأي العام لغير الحقيقة وافتعال أسباب غير منطقية وتضخيمها للنيل من سمعة الإعلام والأمن والقضاء ويتناسون أنهم بذلك يسيئون لأنفسهم قبل غيرهم وتأثير ما يروجون لا يتجاوز دائرتهم الضيقة والمعزولة عن الرأي العام الواسع الذي يمثله كل المغاربة.
لو كان الأمر يتعلق بالتضييق على نشاط حزبي يؤطره الرفيق الحريف لكان الأولى أن يُستهدف قبل ذلك وهو الذي دأب على تأطير لقاءات كثيرة في الدار البيضاء والرباط وغيرهما. فما السبب لاستهداف هذا النشاط بالذات؟ هل هو الأعداد الغفيرة التي ستحضره من الجماهير الكادحة؟ هل هو الكلام الاستثنائي الذي قرر الحريف قوله في هذا الاجتماع ولم يسبق له التعبير عنه منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن؟ هل هو تخوف المخزن من الاستقطاب الكبير لرفاقه لعمال ميناء طنجة المتوسطي؟! هل سيشكل فعلا هذا الاجتماع خطوة نوعية نحو تأسيس حزب الطبقة العاملة التي يلوكها الحريف ورفاقه منذ وعوا على النضال ولم يتمكنوا من تأسيسه بعد؟ هل كان ينتظر “حياحة الطوابرية” أن رفيقهم المبجل سيعلن البيان رقم واحد للثورة الشعبية من عاصمة البوغاز باعتبارها قاعدة في إطار “استراتيجية القواعد الحمراء المتحركة”؟!
إن استحضار بعض من المنطق وإعمال قليل من العقل يجعلان هذه الفرضية ساقطة لأنها لا تتوفر على حد أدنى من احتمال صوابها، والترويج لها قبل معرفة الحقيقة يعني أن هؤلاء الطبالة مبرمجين مسبقا على أسطوانة الاستهداف ومثل الببغاوات التي تردد عبارات محفوظة عن ظهر قلب دون التفكير في فحواها وتداعياتها على سمعتهم ومصداقيتهم المهزوزة أصلا.
لوحظ كذلك صب الطوابرية جام غضبهم على وسائل الإعلام التي نقلت الخبر ووصفها بالصحافة الصفراء والمخزنية وغير ذلك من النعوت التي تتغذى من قاموس الشتيمة بدون سبب. يتناسى هؤلاء جميعا أن رفيقهم “شخصية عمومية” والإقدام على عمل مخالف للقانون مثل “إصدار شيك بدون رصيد” يطعن في شخصه وحزبه وخطابه ويفضح التناقض بين ما يدافع عنه من مبادئ وما يتمثله من سلوك. هل كان الخبر المنشور مزيفا؟ هل كان مختلقا؟ هل الصيغة التي نشر بها تضمنت حشوا يتجاوز الحقائق؟ كان الأولى بجمهور الطبالة التريث وبذل مجهود للتأكد من صحة ما نشر قبل استنكاره لأن دور الإعلام هو النشر طالما أن عناصر الخبر مكتملة والأدلة متوفرة. ماذا وقع بعد ذلك؟ لنرى الحرج الذي أوقع فيه الطوابرية وطبالتهم أنفسهم.
لقد تبين أن الخبر صحيح مائة في المائة. هناك فعلا مشتكية متضررة من عدم تحصيل الدين الذي لها في ذمة “المناضل المتجذر” الحريف، وهناك شكاية مقدمة لدى السلطات الأمنية، وهناك مذكرة بحث ضد الرفيق الحريف الذي تجاهلها لمدة سنوات، وهذا معناه أنه يتصور نفسه فوق القانون وليس في إمكان المشتكية، التي ينظر إليها الرفيق الكبير جدا على أنها مواطنة من الدرجة الرابعة، تقديم شكاية ضده. يتصور الحريف نفسه غير خاضع للقانون ومن حقه التردد على أماكن عمومية تتطلب الإدلاء ببطاقة الهوية دون خوف من مذكرة البحث الصادرة ضده لأنه يعول على جماهيره المخدرة التي تتقن “التحياح” أمام ولاية الأمن عند حدوث أي مكروه للقيادة المعصومة. لقد اتضح بعد دقائق من توقيف الرفيق أن الخبر صحيح وهو ما يؤكده تصرف زوجته التي سارعت بحركة مكوكية لتحصيل تنازل الطرف المشتكي وتقديمه للسلطات. وهنا يمكن للقواعد المناضلة مطالبة رفيقهم بنشر التنازل وصيغته ليتأكدوا من حقيقة ما نشر، كما يمكنهم من الناحية الأخلاقية متابعة سلوك رفيقهم ومدى انضباطه لما يدافع عنه من مبادئ من خلال معرفة تاريخ الدين وتاريخ تأديته والمبلغ المؤدى. أعتقد أن هذا واجب على من يتبنى شعار ربط المسؤولية بالمحاسبة، اللهم إلا إذا كان هذا الشعار معنية به الحكومة فقط في عرف الطوابرية.
بعيدا عن القانون، بينت هذه الواقعة البؤس الأخلاقي وازدواجية المعايير التي يتعامل بها الطوابرية. يطالبون بالشفافية حين يتعلق الأمر بالدولة ويقللون من كل الخطوات التي تقوم بها الدولة في هذا الإطار بينما هم “يضربون الطم” على كل ما يتعلق بقضاياهم ويمارسون التضليل وترويج معلومات زائفة وحجب المعلومات عن مناضليهم. لماذا لم ينشر الرفيق الحريف حتى اليوم الحقائق حول هذه القضية؟ لماذا لا يخاطب الرأي العام مباشرة لشرح حيثيات عدم أداء الدين لمستحقته طيلة هذه المدة؟ لماذا لا يحكي سياق هذه الواقعة لتنوير الرأي العام وضمنه الجمهور المخدر والمخدوع فيه؟ يتذرع الرفيق وجمهوره والطوابرية وراء الخصوصية ويتناسوا أنه شخصية عمومية وبأن المغاربة يقيسون وزن الشخصيات العمومية بهذه الأمور التي يراها هو خاصة وجزئية ويراها المغاربة المؤشر الحقيقي لانسجام القول مع الفعل. والأمر نفسه ينطبق على لمعيطي الذي فضل مخاطبة الرأي العام بطريقة تضليلية تجاهلت الإجابة عن الأسئلة الحقيقية التي تبين مصدر الثروة التي راكمها مركزا على كلام فضفاض لا يقود الرأي العام إلى معرفة الحقيقة. الأَولى للمعيطي نشر ثروته ومصدرها بشكل تفصيلي إن كان يحترم المغاربة وينتصر لثقافة الشفافية والمحاسبة.
وكعادتهم، وقبل التأكد من كل ما سبق، يسارع الطوابرية و الحياحة المحيطون بهم إلى أسلوبهم التصعيدي بتنظيم وقفات وكيل التهم للمؤسسات الأمنية والقضائية وتحريك أسطوانة الاستهداف السياسي. فهل يدافعون على حق إصدار المناضلين لشيك بدون رصيد؟ أعدادهم تفضحهم وتكشف وزنهم الحقيقي وخفة وعيهم وصبيانية سلوكهم السياسي.
كان الأولى بهؤلاء جميعا التريث حتى معرفة حقيقة وجود دائن وشكاية ومدى صدق رفيقهم في ما يدعيه من رد الدين لصاحبه. حينها يكون لاحتجاجهم سبب معقول. يتناسى هؤلاء أن تجاهل شكاية مواطن متضرر وعدم تحريكها ضد رفيقهم تعطيل لعمل مؤسسة مطلوب منها حماية حقوق الناس. لو تعلق الأمر برفيق متضرر لأقاموا الدنيا ولأشبعوا هذه المؤسسات نقدا بتعطيل حقوق الناس وتجميد المساطر القانونية. هل يدافع الطوابرية عن مواطنة غير متكافئة؟ هل وصل الحقد بهم حد المطالبة بتعطيل القانون وإسقاط حقوق مغاربة وتجميد عمل مؤسسات دفاعا عن حقهم في خرق القانون وأكل حقوق الناس بالباطل؟ و نتمنى أن يكون الشيك الأخير للرفيق بدون رصيد لأن لعبة الدفع بالإستهداف لم تعد تنطلي على أحد.
الأولى للطوابرية أن يستحيوا من أنفسهم. والأولى لهم أن يسألوا رفيقهم عن طريقة التعامل معه في دائرة الأمن ومدى احترامها للقانون وحقه كمواطن معرض كغيره للوقوع في مخالفة للقانون. حينها سيشعرون جميعا بوخز الضمير، إن بقي عندهم بعض من يقظة الضمير، وبتسرعهم وخفتهم وخطأ المسار الذي يسلكونه. لقد تم الاستماع للرفيق الحريف باحترام وتم التعامل معه بأريحية وتم الإفراج عنه بعد تقديم تنازل المشتكية. هكذا يكتشف المغاربة أن الشكاية حقيقية وقديمة والمشتكية موجودة ونشر الخبر حق للإعلام طالما أنه غير مختلق وتوقيف الرفيق عادي جدا، وبالمقابل فإن استنكارهم للنشر والتوقيف خطأ سياسي وأخلاقي يضعهم في تناقض مع ما يدعون إليه من مبادئ ويسقطهم في ازدواجية تفضح حقيقتهم أمام المغاربة الذين سئموا تغول هذه الفئة عليهم ودوسها لحقوقهم حين يتعلق الأمر بأحد الطوابرية.