النظام الجزائري يتحسس رأسه بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا

دخل “أسدا” إلى البلاد وخرج منها بعد 24 سنة هاربا في جُنح الظلام، تاركا علامة استفهام كبيرة كالعُلقم في حلق مناهضيه كما مؤيديه: أي وجهة أخذها بشار الأسد بعد سقوط حكمه على سوريا أمس الأحد بشكل رسمي؟ والدور على من يا ترى لملاقاة نفس المصير؟ هل في العمر بقية كي تصول وتجول وتطغى أكثر فأكثر الأنظمة العسكرية القائمة بالمنطقة؟  

ليلة بيضاء عاشتها المنطقة العربية، أمس، بعد زوال نظام بشار الأسد، الذي حكم سوريا بقبضة من حديد لما يوازي 24 سنة، دخلت خلالها البلاد مرحلة عنق الزجاجة وانعدم فيها الأفق، حد اندلاع الثورة عام 2011. ثورة أُريد لها أن تكون اجتماعية صِرفة، لكن أنياب “الأسد” الحادة عجلت برفع سقف المطالب الشعبية غاية المطالبة بتنحي الرئيس عن الحكم نهائيا. والسبب، الرجل تفنن بسادية في إبادة شعبه وهي الممارسات الشنيعة التي استحق نظيرها لقب مهندس مجزرة الكيماوي بمنطقة الغوطة الشرقية، أباد خلالها مئات السوريين بغاز السارين.

وقتذاك، انتفض المجتمع الدولي وأشهر الورقة الحمراء في وجه النظام الحاكم، المنخرط في حملة اجتثاث للعرق السوري كما وصفتها بعثة مفتشين دوليين، حلت على حين غرة بالعاصمة دمشق لتقييم هول الكارثة في أفق ترتيب الجزاءات المتعين اتخاذها في حق النظام السوري. وبالفعل، أصدر القضاء الفرنسي، أواخر 2023، مذكرة اعتقال دولية بحق بشار الأسد و3 مسؤولين آخرين، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية باستخدام أسلحة كيميائية محظورة صيف عام 2013 ضواحي العاصمة دمشق.

والوضع ذاك وما تلاه من اعتقالات تعسفية وتعذيب ثم تهجير قسري لأبناء وبنات بلاد الشام، لم يجد المجتمع الدولي بُدًّا من أن يُدير ظهره لبشار الأسد، موقنا أنها مسألة وقت ليس إلا ويزول النظام الذي دمر سوريا عن بكرة أبيها. إلا الجزائر، التي تنتعش سياستها الخارجية وقت الحروب والخراب، فقد عاكس نظامها العسكري الإنسانية والإرادة الدولية تحت شعار “خالف تُعرف”.

وحتى عندما أحجم العرب، وفي مقدمتهم المغرب، عن عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، فقد ناضل نظام عبد المجيد تبون حينها لتحقيق ما أسماه بوقه الدبلوماسي رمطان لعمامرة “لم الشمل العربي” المبعثر بفعل تخاذل النظام السوري وهو يفتح باب بلاده على مصراعيه لإيران وروسيا أو حتى ميليشيات حزب الله اللبنانية، مُباركا الخطى “ادخلوها بصباطكم”، فصارت سوريا ساحة وَغَى تتقاتل فيها الطائفية والمطامع الخارجية.

واليوم، وبعدما انقشع الغَمام وانطوى الدعم الجزائري لبشار الأسد مع الزمن، أضحى العساكر في وضع لا يُحسدون عليه، لأنهم راهنوا على الاقتتال والدموية والحكم ﺑ “الغصب” في سوريا كعقيدة تميز وجودهم وحُكمهم المنافي لشرعية الصناديق في الجزائر أساسا.

فإلى متى سيستمر النظام العسكري جاثما على أنفاس الجزائريين؟ ومتى تتنفس ساكنة منطقة القبايل الصعداء وتنعم بالحرية لتقرير مصيرها بعيدا عن بطش قصر المرادية؟ وهل يعي العساكر أن رعاية الانفصال وتقسيم جغرافية الشعوب هي أقصر الطرق لإضعاف الجبهة الداخلية؟

وأخيرا وليس آخرا، فإن كان الرهان على روسيا، فقد تخلى فلاديمير بوتين عن بشار الأسد في منتصف الطريق. الكثيرون يعزون السبب إلى أن روسيا منشغلة بحربها ضد أوكرانيا، لكن، واقع الخريطة الجيو-سياسية يؤكد أن دعم الأسد قد استنزف الروس بفعل تطاحنات متعددة الأطراف على أرض سوريا.  فهل نشهد نفس السيناريو “السوري-الروسي” في بيت النظام العسكري الجزائري؟؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى