بيان الانكسار: البوليساريو ترفع الراية البيضاء أمام التفوق الدبلوماسي المغربي

لم يعد في قاموس الدبلوماسية المغربية مكان للمناورة أو التردد فالمملكة، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، انتقلت من موقع الدفاع إلى موقع المبادرة، وفرضت واقعا جديدا جعل خصومها في حالة ارتباك دائم. وفي خضم هذا التحول، خرجت جبهة البوليساريو ببيانٍ مرتبك، تحاول من خلاله ترميم ما تبقى من صورة متهالكة، بعد أن انهارت أسطورة التحرير تحت وطأة الحقائق الدولية الجديدة.

البيان الأخير لم يكن إعلان موقف، بل كان صرخة خوف من القادم. بلغة متوترة ومصطلحات فضفاضة، حاولت الجبهة أن تبيع للعالم ما لم يعد قابلا للتصديق استعداد للحوار، وحسن نية، وانفتاح على الحلول. غير أن كل هذه العبارات لا تخفي حقيقة واحدة أن الجبهة تعترف ضمنيًا بانتهاء اللعبة. فالذي يلوح بالسلام في لحظة الهزيمة لا يفعل ذلك طواعية، بل يطلب النجدة بلغة ناعمة.

من يقرأ البيان بتمعن، يدرك أنه لا يحمل مشروعا سياسيا، بل نغمة انكسار تحاول أن تتقن دور الضحية النبيلة. الجبهة التي كانت تتحدث بالأمس عن الكفاح وتقرير المصير، صارت اليوم تتحدث عن تهدئة وتفاوض وإعادة بناء الثقة. أي إنها ببساطة تبحث عن مخرجٍ يحفظ ماء الوجه بعد أن أغلقت الدبلوماسية المغربية كل المنافذ.

ولعل أخطر ما في هذا البيان، أنه يحاول إعادة تدوير خطابٍ انتهت صلاحيته، لتسويقه في سوق دولي تغير تماما. فالعواصم التي كانت تصغي يوما لأوهام الانفصال باتت اليوم تدعم مبادرة الحكم الذاتي بوصفها الحل الوحيد الواقعي، والمجتمع الدولي لم يعد يرى في البوليساريو سوى جسم ميت يتنفس بدعم اصطناعي.

البيان أيضا يكشف حجم الارتباك داخل الجبهة نفسها. فبين من يدعو إلى الانخراط السياسي ومن لا يزال يحلم بـالعودة إلى السلاح، يظهر بوضوح أن المشروع الانفصالي يعيش مرحلة التحلل الداخلي. وحتى الجزائر، الراعي الرسمي للوهم، تبدو وكأنها تدير ظهرها تدريجيا بعدما اكتشفت أن هذه الورقة لم تعد صالحة للمساومة الدبلوماسية.

إن هذا البيان لا يُقرأ كنص سياسي، بل كمحاولة يائسة لتأجيل الاعتراف بالحقيقة الصحراء مغربية، وستبقى مغربية، والمغرب لم يعد في موقع من يشرح للعالم قضيته، بل في موقع من يملي واقعا جديدا تترجمه القنصليات، والاستثمارات، وقرارات مجلس الأمن.

في النهاية، ما صدر عن البوليساريو ليس بيانا سياسيا، بل نعي مؤجل لأطروحة ولدت من الوهم وماتت بالواقع. جبهة فقدت حججها، وانفض عنها داعموها، ولم يبق لها سوى البلاغات الورقية توقعها فوق رمال تزاح يوما بعد يوم نحو حدود التاريخ المنسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى