مغرب اليوم : من الترقب إلى التحول الإيجابي.. تأملات في الخطاب الملكي

في سياق يتسم بالترقب والأمل، ألقى جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، اليوم الجمعة 10 أكتوبر 2025، خطابه السامي بمقر البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة للولاية التشريعية الحادية عشرة. كان هذا الخطاب، الذي تابعه الرأي العام الوطني باهتمام بالغ، بمثابة إشارة إيجابية قوية نحو تعزيز المسؤولية المؤسساتية والشجاعة السياسية، محولا التوقعات إلى دافع للعمل الجماعي.
ويأتي هذا الحدث في لحظة حاسمة للمغرب، حيث يعكس دستور 2011 رؤية واضحة لبناء دولة المؤسسات، ويذكرنا بأن التقدم لا يأتي من حلول سحرية، بل من التزام مشترك بالإصلاح والمساءلة.
الترقب الجماعي: هل كان الخطاب عصا سحرية؟
قبل ساعات قليلة، كان الرأي العام المغربي، عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية، يترقب كلمات جلالة الملك بلهفة، وكأنها ستحل تعقيدات التحديات الوطنية بضربة واحدة. هذا الترقب، الذي يعكس ثقة عميقة في القيادة الملكية، يذكرنا بأن مغرب يوم لم يعد ذلك البلد الذي يعتمد على قرارات فردية. بل هو وطن يسير على خريطة طريق دستورية واضحة، رسمها دستور 2011 لتحديد مسؤوليات كل مؤسسة، وإلزام الجميع بتحمل أعبائها بكل أمانة وشفافية. الخطاب الملكي اليوم لم يكن مجرد كلمات؛ وإنما كان تأكيدا إيجابيا على هذه الرؤية، مشددا على أهمية الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وداعيا إلى تعزيز التنمية المستدامة، مما يعكس تفاؤلا بمستقبل أكثر إشراقا.
الازدواجية في المسؤولية: بين المديح والصمت
في الأوقات الجيدة، نشهد تسابق بعض المسؤولين لاقتناص الأضواء وجني ثمار النجاح، يتباهون بالإنجازات كأنها من صنعهم الشخصي. لكن ما إن تشتد التحديات – سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية – حتى يخيم الصمت المطبق، ويختبئ الجميع خلف أسوار القصر، متفادين المساءلة. هذا السلوك المتكرر، الذي ينتقده الخطاب الملكي اليوم بجرأة، ليس سوى انعكاس لنقص الشجاعة السياسية، وهروب جماعي من مبدأ المحاسبة الذي يشكل ركيزة أي دولة حديثة. فالخطاب الملكي، بتوجيهاته الحكيمة حول تعزيز الحكامة الجيدة ومكافحة الفساد، يدعو إلى تغيير هذا النهج، محولا النقد إلى فرصة للإصلاح الذاتي والتجديد المؤسساتي.
الخطاب الملكي: دفعة إيجابية للمؤسسات القوية
المغرب يحتاج إلى مؤسسات قوية وفاعلة، ومسؤولون يتحلون بالجرأة ليخوضوا غمار التحديات على أرض الواقع، يواجهون المشكلات بكفاءة وشفافية. هنا يأتي الخطاب الملكي اليوم كدفعة إيجابية ملهمة، حيث أكد جلالة الملك على أولويات الإصلاح التربوي، تعميم “مدارس الريادة”، وتعزيز التنمية الاجتماعية للشباب، مع التركيز على العدالة الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي. هذه التوجيهات زيادة على كونها إرشادات وتوجيهات، فإنها تشكل خريطة عملية تدعو إلى تفعيل دور البرلمان والحكومة في بناء نموذج تنموي شامل، يعزز الثقة ويفتح آفاقا جديدة للشباب والمواطنين.
فصل السلطات: الالتزام الملكي والدور الوطني
لقد أثبت جلالة الملك التزامه الراسخ بمبدأ فصل السلطات، ذلك المبدأ الأساسي لبناء دولة المؤسسات، كما أكد اليوم في خطابه السامي. والآن، تقع على عاتقنا – مواطنين ومسؤولين – مسؤولية إحياء هذا المبدأ من خلال العمل الجاد والالتزام. الخطاب الملكي، بإيجابيته ووضوحه، يعزز هذا الالتزام بدعوة صريحة إلى التنسيق بين الغرفتين البرلمانيتين، ورفع مستوى المناقشات، وتفادي لغة الخشب، مما يمهد لبرلمان أكثر كفاءة وفعالية.
نحو مغرب المستقبل: دعوة للعمل المشترك
يتطلب بناء مغرب المستقبل منا جميعا تبني روح المسؤولية، والعمل يدا بيد لتعزيز مؤسساتنا وتفعيل أدوارها. لذلك وجب علينا الاعتماد على أنفسنا في صناعة التغيير المنشود بالعمل الدؤوب، الشفافية، تحت القيادة الملكية.
إن الخطاب الملكي اليوم، بلغته التفاؤلية وتوجيهاته الإصلاحية، يفتح بابا لمغرب أقوى، تكون فيه المؤسسات القوية بقيادة مسؤولين يتحلون بالشجاعة والإخلاص، ويتحملون مسؤولياتهم بكل عزيمة وثبات، ويؤسس لبداية مرحلة جديدة من الإنجازات المشتركة.



