احتجاجات GenZ212… فين مشات الحكومة ؟

ما لفت الانتباه في احتجاجات GenZ لم يكن حجمها (المحدود نسبيا) بقدر ما كان غياب التفاعل السياسي الرسمي معها، إذ فضّلت الحكومة الصمت في لحظة حساسة كان من المفترض أن تُعزز فيها الثقة عبر الشرح والتوضيح. هذا الغياب ترك فراغا ملحوظا في الخطاب العمومي، فتح الباب أمام الأصوات العدَمية لتحتكر النقاش وتستثمر في تضليل الرأي العام، فيما وُضعت القوى الأمنية في الصف الأمامي وحدها لمواجهة تداعيات الوضع.

في كل الأنظمة الديمقراطية الراسخة، يشكل التواصل المؤسساتي ركيزة أساسية لضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي. فحين تهتز الأوضاع أو تتصاعد موجات الغضب، يكون من واجب الحكومات أن تشرح، تبرر، أو على الأقل أن تُسمع صوتها للمواطنين. غياب هذه الوظيفة الطبيعية لا يملؤه الفراغ، بل يترك الباب مشرعا أمام الأصوات المتطرفة والخطابات الشعبوية لتتسلل وتحتكر المجال.

التاريخ السياسي المعاصر يعج بأمثلة دولية تبين أن “الصمت الحكومي” في مواجهة الأزمات لا يُقرأ أبدا كتعفف أو حكمة، بل كضعف وتخلي عن المسؤولية. في الولايات المتحدة وأوروبا، دفعت حكومات أثمانا باهظة لأنها تركت مساحات واسعة لروايات معادية احتكرت النقاش العمومي.

ناشط مغربي معروف على منصة X بإسم “OTsyndrom” نشر تدوينة تضمنت تساؤلا صريحا عن صمت الحكومة تجاه احتجاجات جيل Z: “فين مشات الحكومة؟”، تلخص بدقة هذا المأزق. فحسب ما جاء في نصه، رئيس الحكومة عزيز أخنوش يلتزم الصمت، الناطق الرسمي للحكومة يلوذ بالصمت، وزراء الصحة والتعليم، الذين يوجدون في قلب الجدل الحالي، كذلك يفضلون الصمت. وكأن التواصل العمومي لم يعد من وظائف الدولة.

هذا الفراغ، كما يشير صاحب التدوينة، لم يمر دون ثمن، إذ ترك الشباب في مواجهة شعور عميق بالخذلان أمام ما يصفونه بـ”الفراغ السياسي”، فيما استغل العدميون والمغرضون هذا الغياب للهيمنة على الساحة الخطابية، بينما تُركت القوى الأمنية وحدها في الصف الأمامي لامتصاص الغضب الشعبي، في وقت تواصل فيه الحكومة مراقبة المشهد من بعيد وكأنها غير معنية بما يجري.

الخطير في الوضع أن الحكومة تبدو وكأنها تستهين بمفاعيل هذا الصمت. فترك الشارع لخطابات “السخط” و”التعبئة العدائية” يعني منح الفرصة الكاملة لصناعة بدائل خطابية معادية للدولة. هنا يكمن التناقض الأكبر: المؤسسات التي يُفترض أن تُحصّن الاستقرار، هي نفسها التي تُغذّي الفوضى بتقاعسها.

إن صمت الحكومة لا يمكن أن يُقرأ إلا كغياب إرادة سياسية في مواجهة التحديات، أو عجز عن صياغة رؤية واضحة للتواصل مع المواطنين. وفي كلتا الحالتين، النتيجة واحدة: تفكك الثقة بين الدولة والمجتمع.

التدوينة التي نشرها الناشط OTsyndrom ليست مجرد رأي فردي، بل تعبير عن إحباط متنامٍ في صفوف الرأي العام. من يقرأها بتمعن يدرك أن السؤال “أين الحكومة؟” لم يعد مجرد استفهام بلاغي، بل صار صرخة احتجاج على حكومة فقدت القدرة على المبادرة، وفضلت سياسة “الغياب المنظم”.

إن أخطر ما يمكن أن تواجهه دولة في زمن الأزمات ليس قوة معارضيها، بل ضعف خطابها الرسمي. الحكومة التي تترك الفضاء العمومي شاغرا، لا تكتفي بالتخلي عن مسؤوليتها، بل تساهم موضوعيا في صناعة “السخط” الذي يهدد استقرار الوطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى