احتجاجات “جيل زد 212” : بين صرخة حقيقية وأجندات الفتنة الفوضوية

في أعقاب الوقفات الاحتجاجية التي نظمتها مجموعة “جيل زد 212” يومي السبت والأحد 27 و 28 شتنبر الجاري، في مدن مغربية عدة، برزت صورة معقدة تجمع بين طموحات شبابية مشروعة ومحاولات استغلال سياسي مشبوه. هذه الاحتجاجات، التي دعت إلى إصلاح منظومة التعليم وتحسين خدمات الصحة العمومية، شهدت تدخلات أمنية أدت إلى توقيف أكثر من 70 شخصا، تم الإفراج عن معظمهم بعد التحقق من هوياتهم.

لكن وراء هذه الصورة السطحية، تلوح أيد خفية من “الطوابرية” والعدميين والمرتزقة السياسيين، الذين يحاولون تحويل صوت الشباب إلى أداة لإشعال الفتنة وزرع البلبلة في المجتمع المغربي.

بدأت القصة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث أعلنت “جيل زد 212” عن نفسها كفضاء نقاشي يجمع شبابا يطالبون بتحسين الخدمات العمومية ومحاربة الفساد.

ومع ذلك، سرعان ما تحولت هذه المبادرة الرقمية إلى وقفات ومظاهرات غير مرخصة، أثارت توترات وتدخلات أمنية. الشباب، الذين يمثلون جيلا يعاني من بطالة ونقص في الفرص، كانوا يبحثون عن منفذ لتعبيرهم. لكن الاستغلال السريع لهذه الدعوة من قبل أطراف معادية للاستقرار يثير تساؤلات عميقة: هل هذه الاحتجاجات خطوة نحو الإصلاح، أم وقود لنار الفتنة؟

الطوابرية: الذباب الإلكتروني المجيش وراء الستار

في زمن الانترنت السريع، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة لـ”الطوابرية” – تلك الفئة من النشطاء الراديكاليين والمرتزقة السياسيين الذين ينتقلون كالذباب من قضية إلى أخرى، يركبون كل موجة احتجاجية لتحقيق أجنداتهم الخاصة. في حالة “جيل زد 212″، لم يتأخر هؤلاء في الظهور. من خلال تدويناتهم المتسارعة على منصات مثل فيسبوك وإكس وإنستغرام، حاولوا تضخيم الدعوة الشبابية، محولينها من مطالب اجتماعية مشروعة إلى حملة تحريضية على العنف والمواجهة.

أحد المشاركين في نقاشات “ديسكورد” الخاصة بالمجموعة، الذي يُعرف بنشاطه الراديكالي، وصف التدخلات الأمنية بـ”القمع الوحشي”، رغم أن الفيديوهات المتداولة تظهر انضباطا عاليا من قوات الأمن دون إصابات أو اشتباكات عنيفة. هؤلاء “الذباب الإلكتروني المجيش”، كما يُطلق عليهم، ينتمون إلى تيارات معروفة بتوجهاتها الراديكالية، مثل بعض النشطاء اليساريين أو أتباع جماعات إسلامية متطرفة، الذين سبق لهم التورط في جرائم ضد الأمن العام. يستغلون الغضب الشبابي ليس للإصلاح، بل لإثارة الفوضى، مستفيدين من خوارزميات المنصات لنشر الشائعات وتضخيم التوترات. النتيجة؟ مواطنون يشعرون بالغضب المفتعل، ومجتمع يُقسم على نفسه عوض التركيز على الحلول الوطنية.

العدميون والخونة: الركوب على الموجة بلا مبدأ

ليس الطوابرية وحدهم؛ إنما ينضم إليهم “العدميون” – أولئك الذين يفتقرون إلى أي مبدأ وطني، ويتبنون فلسفة الإحباط المطلق ليبرروا أفعالهم. في تدويناتهم، يصفون الاحتجاجات بـ”نزوة عابرة” أو “حراك سياسي”، محاولين ربطها بأحداث سابقة مثل احتجاجات (حركة 20 فبراير) سنة 2011، لكن بغرض التحريض على العنف.

هؤلاء “الخونة”، كما يُصنفون في بعض التحليلات، يرون في “جيل زد 212” فرصة للركوب على الشعبوية، مستخدمين شعارات مثل “العدالة الاجتماعية” لإخفاء نواياهم الحقيقية: زعزعة الاستقرار وإشعال الفتنة الطائفية أو الإقليمية. مثال واضح هو تدخل أمثال حسن بناجح بوق جماعة العدل والإحسان و سليمان الريسوني الذي يتعامل مع الجزائر والحقوقي الهارب فؤاد عبد المومني والنصاب هشام جيراندو و اليوتيوبر توفيق بوعشرين و عمر الراضي، حيث حاولوا نسب فشل الوقفات إلى “القمع الأمني”، رغم أن السبب الرئيسي يكمن في غياب التنظيم والحضور الكثيف.

هؤلاء يعملون كـ”جيش إلكتروني”، ينشرون فيديوهات مفبركة ويحرضون بشكل غير مباشر على مواجهة السلطات، مما يهدد السلم العام ويحول الاحتجاج السلمي إلى أداة للإجرام. الخطر هنا ليس في الشباب نفسه، بل في كيفية استغلال غضبهم من قبل هؤلاء الذين لا يهمهم إلا الفوضى.

البلبلة والفتنة: كيف يُشعلون غضب المواطنين عبر الشاشات

الأثر الأكبر لهذا الاستغلال يكمن في خلق “البلبلة” – ذلك الضجيج الرقمي الذي يحول المطالب المشروعة إلى غضب جماعي مفتعل. تدوينات مثل تلك التي تتهم الدولة بـ”القمع الشامل”، دون الإشارة إلى الانتهاكات للقانون من قبل المتظاهرين، تثير الشكوك وتزيد من التوتر.

هذا التحريض يستهدف المواطن العادي، الذي يرى في الشاشة صورا مشوهة للواقع، فيشعر بالغضب من مؤسساته عوض دعم الإصلاحات الفعلية. ففي الدار البيضاء، على سبيل المثال، تحولت وقفة بسيطة إلى مواجهة بسبب نشر فيديوهات تحريضية من حسابات مجهولة، أدت إلى تفريق التجمعات.

هذه الفتنة ليست عفوية؛ إنها مدبرة لتُشعل الغضب، وتُقسم المجتمع بين “الثوار” والـ”قمعيين”، مما يُعيق أي حوار بناء. النتيجة: شباب يُضللون، ومواطنون يفقدون الثقة في مؤسساتهم، بينما يحقق الطوابرية أهدافهم الخفية والخبيثة.

دعوة للشباب للانفصال عن الأجندات المشبوهة والتفكير نحو مستقبل أفضل بطريقة واعية

في الختام، احتجاجات “جيل زد 212” تمثل صرخة مشروعة لجيل يستحق فرصا أفضل في التعليم والصحة والعمل.

لكن استغلالها من قبل الطوابرية والعدميين يهدد بتحويلها إلى فتنة تدمر أكثر مما تبني. على الشباب أن يحافظوا على نقائهم، ويبتعدوا عن الأجندات غير الوطنية، مستخدمين قنوات الحوار الرسمية عوض الشارع الفوضوي. أما السلطات، فدورها في الاستماع والإصلاح، مع الحزم على التحريضيين. المغرب يحتاج إلى وحدة، لا إلى بلبلة تُشعلها أيد خائنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى