عندما صار الجنرال حَرّاكا… ناصر الجن يصفع نظام العسكر

بينما كانت العصابة الحاكمة في الجزائر تلمع واجهتها بورق مقوّى تحت مسمى “المؤتمر الدولي للتجارة البينية في إفريقيا” (04 – 10 شتنبر)، وتوهم ضيوفها بأنها بوابة للنهضة والازدهار، كان سبعة مراهقين يخطون على صفحة البحر الأبيض المتوسط رواية أخرى قارب مسروق يتجه صوب الضفة الإسبانية، معلنين أن المؤتمرات الجزائرية لا تصلح حتى لبيع الوهم في المزادات العتيقة.

وكالعادة، لم يجد كابرانات المرادية تفسيرا لهذه المهزلة إلا في قاموسهم المعتاد. المخزن فهو عندهم يشعل الغابات كل اثنين، ويهرّب المخدرات كل أربعاء، ويرسل الإرهابيين كل خميس، ويزرع كاميرات تجسس على زعانف السردين يوم الجمعة حتى الجراد والديدان التي تغزو ملاعبهم، هي في نظرهم صناعة مخزنية إسرائيلية مشتركة فلماذا لا يكون إذن المخزن الشرير هو من زرع في هواتف المراهقين شريحة صهيونية وسول لهم ركوب البحر؟

لكن الحقيقة أبسط من كل هذا الجنون النظام العسكري في الجزائر يدرك أنه أوهن من بيت العنكبوت، وأنه لن يصمد أمام غضب الشعب ساعة واحدة من دون عدو خارجي يعلّق عليه كل المصائب، لهذا صارت “المؤامرة الكونية” هي البطاقة الوحيدة في جيب العسكر انقطاع الكهرباء، نقص الماء، انهيار الدينار… كل ذلك سببه المغرب و”الأيادي الخارجية”، حتى ولو اعترف أحد أبواقهم عبد القادر بن قرينة بأن التذمر من العطش والظلام غير مقبول “في وقت يتربص فيه الأعداء بالوطن”.

لكن ما يثير السخرية حقا ليس فقط هروب المراهقين من “الحظيرة”، بل هروب أحد كبار الجنرالات من داخل القفص نفسه. إننا نتحدث عن “ناصر الجن”، الرجل الذي كان يوما يُلقب بـ”عين المخابرات” و”حارس الداخل”. هذا الجنرال، الذي قضى عمره يتجسس على الشعب ويزرع الرعب بين الناس، انتهى به المطاف يفتش عن مخرج شخصي، فارا من الجزائر كما يفر أي “حرّاق” بسيط.
إنها صورة هزلية بامتياز جلاد الأمس صار لاجئ اليوم، والذئب الذي ادّعى حماية القطيع هرب قبل أن تنهار الزريبة على رؤوس الجميع.

لقد تلقت العصابة خبر هروبه كما لو أنّ غزوا وقع من المريخ، سارعوا لعقد المجلس الأعلى للأمن، وخرج شنقريحة بوجه شاحب كالرماد، متعرقا، متجمد القسمات، وكأن ناصر الجن لم يهرب من البلاد، بل فرّ من تحت سريره مباشرة لقد بدا الرجل الذي يُقدَّم كقائد مهيب مثل مهرج اكتشف أن السيرك الذي يديره اشتعلت فيه النيران، وأن المهرجين الصغار يفرون واحدا تلو الآخر قبل سقوط الخيمة.

هكذا يصبح المشهد الجزائري لوحة ساخرة. مراهقون يهربون شمالا، جنرال يهرب غربا، والشعب بأكمله ينتظر دوره على رصيف الهجرة. أما الجنرالات الذين كانوا يتغنون بالقوة الضاربة، فلم يبق لهم سوى الارتعاش في قصور المرادية، يتساءلون بوجل من التالي؟

المؤكد أن مسرحية المخزن، إسرائيل، الأيادي الخارجية لن تدوم طويلا. فالجمهور الجزائري سئم مشاهدة العرض الرديء، والساعة تقترب من إسدال الستار. وما أمتع أن يكون الفصل الأخير سقوطا مدويا لعصابة لم تستطع أن تحمي حتى جلاديها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى