الجزائر: فاجعة تسقط أرواحا، والنظام يسقط ما تبقى من حرية الإعلام

مرة أخرى، كشفت السلطة العسكرية في الجزائر عن وجهها الحقيقي في التعامل مع الإعلام بعد أن أوقفت أربع قنوات تلفزيونية دفعة واحدة وهي البلاد، الوطنية، الحياة، والشروق، بذريعة ما وصفته بإختلالات مهنية فادحة. لكن الحقيقة أبعد ما تكون عن مجرد مسائل مهنية، فهي حلقة جديدة من مسلسل تكميم الأفواه وقمع الصحافة المستقلة. ففي الوقت الذي كان فيه الجزائريون يشيّعون ضحايا الفاجعة المروعة في وادي الحراش بالعاصمة، فضّلت السلطة توجيه سهامها نحو الإعلام، متجاهلة المسؤولين عن الإهمال وسوء التسيير الذي تسبب في الكارثة

حادثة سقوط الحافلة التي أودت بحياة 18 شخصا وجرحت عشرة آخرين عرت هشاشة البنية التحتية، وأظهرت عجز السلطات أمام الكوارث المتكررة. غير أن القنوات التلفزيونية التي نقلت صور الضحايا وعائلاتهم لم تحاسب لأنها تجاوزت الأخلاقيات المهنية، بل لأنها كسرت الصورة التي يريد النظام العسكري فرضها على الداخل والخارج صورة بلد بلا أزمات.

قرار المنع لم يقتصر على وقف البث الفضائي والرقمي لمدة 48 ساعة، بل شمل أيضا حظر أي محتوى جديد على المنصات الرقمية، مع السحب الفوري لكل ما تعتبره السلطات مخالفا، إنها ببساطة رقابة شاملة، لا تترك مجالا للإعلام إلا لترديد الرواية الرسمية.

المفارقة أن المشاهد الصادمة التي بثتها القنوات، وسرعان ما انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي، أظهرت بطولة مواطنين عاديين قفزوا إلى الوادي لإنقاذ الركاب قبل وصول فرق الحماية المدنية. تلك اللحظات التي حملت الإنسانية في أنقى صورها، أزعجت السلطة أكثر مما أزعجها سقوط حافلة كاملة في قلب العاصمة.

ما تكشفه هذه الحادثة يتجاوز مأساة محلية إنها تضع الجزائر مرة أخرى في خانة الدول التي تعتبر حرية الصحافة خطرا يوازي الكارثة نفسها. ففي هذا البلد، يعاقب الإعلام لأنه يلتقط صور الألم، وتكافأ السلطة لأنها تخفي المسؤولية. والنتيجة دولة تخشى فيها الكاميرا أكثر مما يُخشى الموت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى