كاريكاتير… هشام جيراندو أنا أول معتقل سياسي في كندا و القضاء الكندي مرتشي

في زمن تحول فيه النضال الحقوقي إلى مهنة مدرة، صار هشام جيراندو يتنقل بجواز سفر كندي كما يتنقل درويش بخرقة يزعم أنها من الكعبة. كان يلوح به كما لو كان صك نجاة من الحساب، أو عصا موسى التي تشق له البحر المغربي حيث شاء، متبجحا بأنه تحت حماية الملكة، وكأن التاج البريطاني قد أنشئ خصيصا لحماية منشوراته على مواقع التواصل الإجتماعي.

لم يكن جيراندو يرى في الجنسية الكندية إلا درعا واقيا ضد كل مساءلة، رجل اعتقد أن الدستور الكندي يجيز له أن ينفث السم من وراء الحدود، ثم يعود إلى مونتريال ليشرب قهوته مطمئن البال، كأنه ليس إلا سائحا في وطنه الأم، لا يربطه بالمغاربة سوى أرشيف البث المباشر وبعض المتابعين الحالمين بفيزا إنسانية.

لكن يبدو أن التاريخ قرر أن يعيد ترتيب الأوراق ففي الغد القريب، قد نجد هشام جيراندو يتقلب في زنزانة كندية باردة، يحدق في سقفها كما يحدق في انحدار أسطورته الشخصية ذلك الجواز الكندي، الذي كان يرفعه كتعويذة مقدسة، لن ينفعه حينها لا في شراء علبة تونة من المقصف، ولا في فتح كوة هواء في منظومة قضائية لا تبهرها القصص الحقوقية المؤثرة، ولا تعترف بالناشطين الفيسبوكيين.

الرجل الذي طالما احترف اللعب تحت أضواء الكاميرا، سيجد نفسه مضطرا حينها لمواجهة حقيقة مرّة لا أحد يعفى من الحساب لأن لديه متابعين، ولا جواز ينقذك حين ينكسر وهمك أمام القانون.

أما استراتيجيته، فأكيد أنها ستكون أوضح من أي وقت مضى حيلة وراء حيلة، وثغرة وراء أخرى سيسعى جيراندو، بعقليته الماكرة، إلى استنزاف المنظومة القانونية الكندية بكل أدواتها، باحثا عن أي منفذ، أي بند مهمل، أي تلاعب بالإجراءات، لينجو بجلده. لن يتردد في التلويح بورقة الحقوق والحريات، لا إيمانا بها، بل لأنها تصلح كدرع زائف في معركة البقاء. سيظهر نفسه كضحية، يتوسل حماية الدولة التي طالما ادعى أنه أحد منتقديها، سيتحول من مناضل إلى محام عن نفسه، ومن حامل لشعار العدالة للجميع إلى تاجر في سوق الثغرات القانونية، لا يهمه الحق من الباطل، بل فقط كيف يخرج من الرقعة دون أن يؤكل.

أما ممتلكاته، فقد اختفت فجأة، كما تختفي القوارض عند أول صفير خطر. لا تصريح، لا تبرير، فقط صمت مريب تبعه نفي بارد لأي علاقة بأي شيء. هل باعها؟ هل سجلها باسم قريبه؟ هل دفنها مع الكرامة في قبو مجهول؟ لا أحد يعلم، لكن المؤكد أن هشام، الذي كان يتبجح بشفافيته أمام الكاميرا، صار يتصرّف كاللص الذي ينظف بصماته قبل أن يدق عليه الباب. الرجل الذي كان يهددنا بـضغط دولي وتقارير أممية، صار الآن يتمسّح على عتبات القضاء الكندي كخروف ينتظر العفو ليلة العيد.

أما صورته النضالية، فقد تحطمت دون حاجة لتسجيلات ولا تسريبات. لم نكن بحاجة لصوته كي نسمع انكساره، ملامحه وحدها تكفي، ذلك الوجه المتورم بالتعالي صار باهتا، مرتبكا، يلهث خلف أي مخرج. لم يتبقى فيه من صلابة المعارضين سوى الظل، لا ومن صراخ الحرية سوى صدى أجوف لشخص صدق كذبة الشهرة أكثر مما يجب. جيراندو، الذي ظن نفسه زلزالا رقميا، اكتشف أنه مجرد رجفة تافهة في تطبيق اسمه “تيك توك”.

جيراندو لم يكن قضية، بل كان فقاعة. واليوم، لم تنفجر الفقاعة، بل تلاشت بهدوء، كما تتلاشى الكذبة حين يواجهها الواقع دون رتوش.

إن هشام جيراندو لا يمثل تحديا للأنظمة، بل شهادة دامغة على أن بعض المعارضين لا يحتاجون إلى من يسقطهم، فهم يسقطون بأنفسهم، حين يعتقدون أن الصراخ يحل محل الحجة، وأن الوطنية تباع مع الاشتراك الشهري على يوتيوب.

إنه ليس مجرد متهم، بل حالة دراسية في الانفصام السياسي، وكيف يمكن للمرء أن يتحول من مدافع عن العدالة إلى مهرب قانوني من الدرجة الأولى من ناصح للأمة إلى باحث عن ثغرة ينفد منها كما تنفد الفئران من حواف الطوفان.

جيراندو اليوم لا يحتاج إلى تضامن، ولا إلى حملة رقمية يشعلها من زنزانته، بل يحتاج إلى من يشتري منه جواز سفره الكندي… ذاك الجواز الذي لوح به في وجوهنا كأنه درع منيع، لم يعد يصلح اليوم إلا كغلاف لرواية فاشلة عن ناشط ضائع . لقد صار الجواز، الذي طالما تباهى به، أقرب إلى إعلان على “Marketplace”، جواز كندي بحالة جيدة، صاحبه فقد كل شيء حتى الكرامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى