16 ماي… عبد اللطيف حموشي بين نار إرهاب الدم وخنجر إرهاب الكلمة

في مثل هذه الأيام، حين تتوشح الذاكرة الوطنية بوشاح الهيبة، ونسجل للزمن لحظة من الإنتصار السيادي، نقف بخشوع أمام مؤسسة ليست كغيرها من مؤسسات الدولة، مؤسسة خلقت من صخر الولاء، و شيدت على صرامة المبدأ، و تربت على نبل المهام. إنها مؤسسة الأمن الوطني، تلك التي لم تكن يوما حارسا للحدود فحسب بل حاميا للروح، و صائنا للمعنى المغربي في وطن تتربص به الأنياب من كل صوب وحذب
لقد كان جهاز الأمن الوطني، بشقيه المنظور والمستتر سدا منيعا أمام موجات التكفير، و حصنا شديد الركن ممتنعا في وجه العصابات الدموية التي أرادت أن تجعل من هذا البلد مرتعا للخراب. إلا أنه مع كل عملية استباقية تجهض، و مع كل مؤامرة تدفن تحت ركام الاحتراف الاستخباراتي كان المواطن يزداد إيمانا بأن خلف الستار عيونا لا تنام وأرواحا تكتب النصر بحبر التضحية.
وإن كان لابد من إسم يجسد هذه اليقظة الأمنية العالية، فليس هناك أحق من عبد اللطيف حموشي، رجل الظل الذي أصبح عنوانا للنور. رجل لا يسكن المنابر، و لا يعشق الأضواء لكنه يقود منظومة أمنية بحنكة العارف وسكينة الهادئ واضعا نصب عينيه أمن البلاد ضمن الدرجات العليا للعبادة، لم يكن حموشي مجرد مدير، بل صار مدرسة في الإدارة الصارمة، والانضباط الهادئ والعبقرية الأمنية التي جعلت من المغرب شريكا دوليا موثوقا في محاربة الإرهاب، وأرسى فيه أسس الأمن والاستقرار في منطقة يطبعها الاضطراب والتقلبات، لم يكن يسعى إلى الظهور ولا إلى التصفيق لكنه ترك أثرا عميقا لا يخطئه منصف لأنه خاض معركته بحكمة القادة العقلاء لا بجلبة المسرحيين.
غير أن المعركة لم تظل على الأرض وحدها. فللإرهاب وجه آخر، أشد خسة وألصق بالخذلان إنه الإرهاب المعنوي، ذلك الذي يمارسه المرتزقة بلباس الصحافة، والمنبوذون في هيئة المناضلين، والعدميون ممن اتخذوا من جهاد الكلمة سلعة لتسول البروز في قنوات العدو.
من جيراندو، الهارب من العدالة وجنسيته المستوردة، الذي جعل من نفسه سلاحا لتهشيم الحق المغربي وصوتا يستأجر كلما تعالت أبواق العداء، إلى علي المرابط، الذي انسلخ عن حياء الحرف واحترف الطعن في قلب وطن رعاه وفؤاد عبد المومني وأشباهه ليسوا إلا بقايا زمن بائد، يتعكّزون على شعارات “الحرية” و”الحقوق”، ليغتالوا بها أمن وطن لم ينم يوما عن الخطر.
أولئك هم دعاة اللاجدوى، الممسكون بأقلام مسمومة، ينفثون منها سمهم تحت غطاء النقد، وهم في حقيقتهم وقود الفتنة، يتقاطعون موضوعا ومصلحة مع كل خصم للمغرب، من الجزائر الرسمية، إلى جماعات الكراهية العابرة للحدود.
وإنها لمفارقة تبكي الضمير أن يصبح رجل الأمن الذي يفدي الوطن بروحه في صمت عدوا في أعين هؤلاء، بينما العميل والمارق والناكر يغسل وجهه بماء الطهر على منابر المكر.
في ذكرى الأمن الوطني، لا نحيي فقط مؤسسة، بل نجدد العهد مع المعنى الكامن خلفها، ونعلن أننا لن نسلم أوطاننا لأرباب العبث، ولا لأبواق النشاز. سنصون الجبهة الداخلية كما صنا الحدود، وسنطارد الحرف الخائن كما طاردنا الرصاص الغادر.
تحية لكل رجل ظل، ولكل عقل اشتغل في صمت، ولكل عين لا تنام، ولتذهب الأقلام المأجورة إلى مزابل الذاكرة.