هشام جيراندو/علي المرابط.. مأساة “رجال” بلا رائحة وبلا هوية (كاريكاتير)

لنتفق في بادئ الأمر، أن الدماغ يتكيف مع الخداع، وأن المصلحة الذاتية هي المحرك الأساس للخداع والضامن الأول والأخير للاستمرار في انتهاجه بصفاقة وجه وثقة مفرطة في النفس، حتى ليعتقد الكاذب أنه تأبط عقول ضحاياه تحت جناحيه. السلوك النشاز هذا لا يفطن لخطورته عموم من يكتفون بالسطح والقشور البارزة على ملامح شخصيات تتفقد “حبها للوطن” وتطمئننا على استمرار استقراره داخل فؤادها “الخائن” كلما استوحشت “مكانها” واستبد بها الهلع من أن يطويها الزمان.
إن إصرارهم على استلاب عقول “العامة” ممن تعوزهم القدرة على سبر أغوار النفوس وغاياتها، يتعدى بكثير حدود تحصيل “تقدير” مزعوم أو التحول إلى “مرجع” في قراءة المعلومة والرأي السديد، ليصل إلى مبالغ أخطر يتقاطع فيها العقل مع الحُمق عند مفترق “شعرة معاوية” السميكة.
ومن هنا، نصير في حضرة “معاتيه” يُندرون حياتهم لصناعة “العطر القاتل” للسيطرة على عقول البشر، مثلما فعل “جان باتيست غرنوي” الشخص “الغير مرئي” ولا معترف به من قبل مجتمعه “الباريسي” في منتصف القرن الثامن عشر، من خلال أحداث التحفة السينمائية “Le parfum”. فلم يكن منه إلا أن استدعى ملكات الشيطان كاملة لصناعة عطر من “أجساد” البشر يمنحه وثيقة مرور نحو عقولهم لتطويعها على احترامه، وهو ينثر عليهم عُصارة “العطر القاتل” الذي استخلصه من أبدان نساء تخلص منهن للظفر بعطر يُميز وجوده.
ومن لم يطلع على أحداث القصة سواء عبر الرواية أو الفيلم السينمائي، فله في شرذمة من “منحرفي” الألفية الثالثة المثل والعبرة، وهم يزاولون أقبح “المهن” و”يُرابطون” في المراحيض “الشرقية” لاستسقاء معلومات مجانبة للصواب تروم -حصرا- جعل المغرب مختبرا مفتوحا لصناعة “العطر القاتل”، ذي القدرة الخارقة والنفاثة على خلق “صمت المقابر”، التي لا يلجوا لها ترحما على أموات لبوا نداء بارئهم، وإنما يدخلوها بأرجل نتنة، وبلسان تائه عن الذكر أو الحديث “أنتم السابقون ونحن اللاحقون”.
ولأن صحبة الأموات أقل صخبا من صحبة الأحياء، فقد ارتأى كل من “المقصي” علي المرابط ويده اليمنى الهارب هشام جيراندو أن يقتحما المقابر حيث ترقد روح كل من عبد الله باها وهشام المنظري، لإعداد طبق الكسكس “المفتول” بيد الميت، وفقا لتوصيات مشعوذة حثتهم على إعداد العُدة والتوجه إلى “الروضة” ليلا والناس نيام، حتى تتضح لهم الرؤية ويعودا محملين بالأجوبة الشافية عن وفاة أناس يتحدون من خلالها حكمة الخالق وينزلون أنفسهم منزلته والعياذ بالله منها “كبيرة”.
وحين تأمر المشعوذة فما على الزبون إلا أن يُلقي السمع والطاعة. فلا غُرُوْ أن يقفز دون “براشوت” مدير موقع “دومان” سابقا من برج “الصحافة الاستقصائية” القائمة على الأدلة الدامغة إلى منحدر البلادة القائم على “ارتهان العقل” إلى أقرب “حاوية أزبال”، يقلب فيها يده ذات اليمين وذات الشمال كمن يقلب كرات “الطمبولة”، فأخرج ورقة “مكمشة” مدون عليها أن المرحوم باها انتحر مخافة افتضاح أمر ميولاته الجنسية “المثلية”. بينما بالأمس القريب، لم ينفك عن ترديد أسطوانة “القتل المدبر” لأغراض سياسية. واليوم يُناقضه رفيقه في “حفر القبور” هشام جيراندو حينما يُردد أن المرحوم عبد الله باها قضى نحبه متجرعا “سم البصمة” قبل أن يُوَجَّهَ “زعما” ناحية سكة القطار.
لم ينجح يوما سيناريو كتبه شخصان، لذلك، على الرجلين أن يوحدا الخطاب أولا قبيل ولوج المقابر، وأن يتفقا على أسلوب “حفر” واحد ثانيا، حتى لا تستاء منهما “المشعوذة” وتُرسل في طلبهما “طيرا أبابيل” يقذفهم بالحجارة أو تتوعدهم بمسخ فوري قُبالة شواهد قبور المرحومين عبد الله باها وهشام المنظري.
نعم هشام المنظري، المافيوزي الذي عات فسادا وسرقة. فحتى القصر الملكي لم يسلم منها، وهو يزور مستندات بأختام القصر لبيتز بها، منذ أزيد من عشرين سنة خلت، الملياردير عثمان بنجلون، ويسأله تعويضا ماديا ضخما مقابل عدم بيعها لمنافسيه. ناهيك عن تورطه في عمليات نصب واحتيال على المستوى الدولي قد تكون سببا مباشرا في قتله بإسبانيا على يد المافيات، وفق ما ذهبت إليه تحقيقات الشرطة الإسبانية وقتذاك.
وحتى لا نكون كمن ينتظر قبلة على الجبين من طائر ذو منقار حاد، فإن “مجمع الأبالسة” الذي ينتهك حرمة القبور لم يأت بجديد بشأن وفاة كل من عبد الله باها وهشام المنظري. فقد سبق لهشام “الكندي” أن نسج فيلما هوليوديا حول موت عبد الله باها مستشهدا بهلوسات سيدة مريضة نفسية تتابع العلاج بإحدى المصحات النفسية، وبطلب من ذويها، نتيجة اضطراب ألم بها بعد تفكك أسري وطلاق اضطراري من زوجها البريطاني. أما معلمه الروحي “المرابط”، فقد أضحى كمن يرقب الوضع ويتدخل، بين الفينة والأخرى، ليقول لصغاره “أنا لازلت موجود وبجعبتي ما يزعج”.
والحال على ما هو عليه، نسأل الرجلان “فاش قصروا معاكم الأحياء” حتى تعتزلا الدنيا وتبحثا عن وجود في ظُلمات المقابر؟؟ هل أنتم أحياء أم أموات بلا رائحة ولا هوية؟؟