إرهاب في الظل.. بين يقظة الأمن وخطاب التحريض وخطر التشكيك.. عملية حد السوالم نموذجا

تشكل مكافحة الإرهاب تحديا مستمرا في المغرب، حيث تثبت الأجهزة الأمنية قدرتها على التعامل مع المخاطر الإقليمية والمحلية، كما حدث مؤخرا في منطقة حد السوالم، حيث أُحبط مخطط إرهابي وشيك بفضل يقظة المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني تحت قيادة عبد اللطيف حموشي. لكن رغم النجاح الأمني، تتزايد التحديات المرتبطة بخطابات التحريض والتطرف التي تنمو في بيئات فكرية تغذيها الأزمات الدولية والتوجهات الأيديولوجية.

أسفرت العملية الأمنية الأخيرة عن توقيف أربعة عناصر متطرفة مرتبطة بتنظيم “داعش”، كانوا في مرحلة متقدمة من التخطيط لتنفيذ عمليات تفجيرية خطيرة باستخدام معدات بدائية وأسلحة بيضاء ومواد كيميائية. التحريات كشفت عن إعلان ولاء الموقوفين للتنظيم الإرهابي عبر فيديو، وعن زيارات استطلاعية وثّقت أهدافا محتملة لتنفيذ الهجمات والتفجيرات.

هذه العملية أكدت مرة أخرى أهمية الجهود الاستباقية التي تبذلها السلطات المغربية لحماية أمن الوطن والمواطنين. لكنها أيضا تفتح النقاش حول البيئة التي تُنتج التطرف، خصوصا في ظل تصاعد الخطابات التكفيرية والتحريضية التي تستغل أزمات إقليمية لتأجيج العنف.

وقد شهدت الساحة المغربية، خاصة بعد عملية 7 أكتوبر في غزة وبعض العمليات الفردية كحادثة الطعن التي نفذها شاب من أصل مغربي في تل أبيب، تصاعدا لخطابات التحريض والتخوين التي أطلقتها بعض الأطراف المتطرفة. وما يثير القلق أكثر هو الإشادة العلنية بمثل هذه العمليات من قبل أصوات منتمية لتيارات إسلامية، كجماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية، ما يعكس غياب الإحساس بخطورة العنف وأثره على استقرار المجتمعات.

هذه الخطابات لا تقتصر على الثناء؛ بل تُكرس ثقافة العنف وتبرره، مما يجعلها بيئة حاضنة للفكر الإرهابي. والأخطر أن هذا التوجه قد يُغذي جيلا جديدا من المتطرفين الذين يرون في الإرهاب وسيلة للتعبير عن مواقفهم.

البيئة الفكرية المتطرفة التي تدعم العنف وتُشيد بالعمليات الإرهابية ليست منفصلة عن المخططات التي تُجهضها الأجهزة الأمنية. فالعناصر الموقوفة في حد السوالم هي نتاج لهذه البيئة التي تحوّل الأزمات الإقليمية إلى مادة للتحريض. هذا الترابط بين التحريض الفكري والتخطيط الإرهابي يبرز أهمية مواجهة الخطابات المتطرفة كجزء لا يتجزأ من مكافحة الإرهاب.

إلى جانب التحريض، يُضاف خطاب التشكيك الذي يروج له بعض الأفراد الذين يقللون من أهمية العمليات الأمنية. هؤلاء يصفون تفكيك الخلايا الإرهابية بـ”المسرحيات” في محاولة لزعزعة الثقة في المؤسسات الأمنية. هذا الخطاب المشكك لا يقل خطورة عن التحريض، إذ يُضعف الجبهة الداخلية ويُمهّد الطريق أمام المتطرفين للعمل في بيئة ينعدم فيها الوعي المجتمعي بحجم التهديدات.

إن مواجهة التطرف لا تقتصر على العمل الأمني؛ بل تتطلب نهجا متكاملا يشمل تعزيز الوعي المجتمعي بخطورة التحريض والتشكيك، ومحاسبة الأصوات التي تُروّج للعنف أو تقلل من أهمية الجهود الأمنية. المجتمع المغربي مطالب بالتصدي لهذه الظواهر التي تُهدد أمنه واستقراره، والعمل على دعم ثقافة التعايش واحترام القانون.

عملية حد السوالم مثال حي على يقظة الأمن المغربي في مواجهة الإرهاب، لكنها أيضا دعوة للتفكير في المخاطر الأعمق المتمثلة في خطاب التحريض والتشكيك. التطرف لا يولد من فراغ، بل ينمو في بيئة تُشجع على العنف أو تتسامح معه. مكافحة هذه البيئة مسؤولية الجميع، من المؤسسات الأمنية إلى المواطنين، فالأمن ليس مجرد مهمة حكومية؛ بل واجب وطني يتطلب وعيا وتكاتفا جماعيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى