رئاسة الجزائر لمجلس الأمن.. جعجعة بلا طحين وتذكرة أخرى لبهرجة شبه دبلوماسية

ها هي الجزائر، بكل ثقلها الدبلوماسي “الضخم”، تقتنص فرصة العمر لرئاسة مجلس الأمن الدولي لشهر كامل! أجل، شهر واحد، لكنها على ما يبدو قررت تسويقه كأنه عصر ذهبي جديد وفتح ديبلوماسي لا مثيل له،، وحتى الصحف الجزائرية لم تكتف بأن تصدح بألحان النصر، بل تجاوزته لدرجة أن جعلت العالم يتوقف عن الدوران إحتفاءا بهذا الإنجاز. وكأن الأمم المتحدة منحت ما بات يعرف بـ “العالم الآخر” قيادة العالم بدلًا من منصب رمزي يدوم 30 يومًا بالكاد.
في أولويات “حلمية” تتحدى المنطق، قالت الجزائر أنها ستدافع عن القضايا العادلة… مثل فلسطين؟… بالطبع، لأنها بطاقة دبلوماسية مضمونة في أي خطاب عربي! الإرهاب في أفريقيا؟ جميل جدًا، وكأنه قد استئصل تمامًا من الجزائر نفسها، فأصبح لديها فائض من الوقت للتفكير ببقية القارة.
لكن السؤال الحقيقي هو كيف تنوي الجزائر الدفاع عن القضايا الإقليمية وهي منهمكة في خلق أزمات مع جيرانها؟ ربما على طريقة “نحارب الإرهاب في الخارج، ونخلق الفوضى على حدودنا”.
على أيٍّ… أجرى وزير الخارجية أحمد عطاف اتصالًا مهما للغاية مع وزراء خارجية دول المغرب العربي… باستثناء المغرب. ماذا حدث؟ ربما كان خط المغرب مشغولًا وقتها أم أن الجارة الشرقية إرتأت إعادة رسم خريطة المنطقة لتصبح ثلاثية الأطراف فقط؟
وبالطبع، استبعاد المغرب ليس مفاجئا. فقصر المرادية يرى على ما يبدو، أن الحوار مع الرباط غير ضروري. يكفيه إدارة هذه الخلافات عبر الإعلام، بدلا من أي نوع من الدبلوماسية الحقيقية، وهو الشيء الذي يثبت أن الجزائر لا تزال تعتبر نفسها في مواجهة أبدية مع المملكة المغربية حتى لو كان ذلك على حساب وحدة المنطقة.
ولنفهم الأمر بوضوح، فإن رئاسة مجلس الأمن لمدة شهر هي دور إداري وتنظيمي، أشبه بمنح شخص مفتاحا مؤقتا لغرفة الاجتماعات. ولكنها بالنسبة لإعلام “العالم الآخر”، تحولت إلى “الحدث الذي سيغير وجه العالم” فمن يتابع الأخبار الجزائرية قد يخيل له للوهلة الأولى أن كل قرارات الأمم المتحدة القادمة ستكتب بالحبر الجزائري.!
الحقيقة أن تولي رئاسة مجلس الأمن ستجعل الجزائر محط الأنظار، ولكن ليس للإنجازات، بل للمراقبة الساخرة. كيف ستتعامل دولة تواجه تحديات اقتصادية خانقة، وعلاقات متوترة مع معظم جيرانها، مع قضايا عالمية معقدة؟ الإجابة قد تكون مادة دسمة للضحك بدلًا من الإعجاب.
وبعد إنتهاء شهر العسل، ماذا يا ترى ستقدم الجزائر للعالم؟ ربما تقريرًا مليئًا بالشعارات، والكثير من الصور الرسمية، وبعض التصريحات النارية التي لن تترك أي أثر أو ربما ستصبح ترند الشهر لمستعملي “تيك توك”.
ويبقى السؤال البسيط هنا هل كانت الجزائر مستعدة لهذه اللحظة؟ أم أنها مجرد فرصة أخرى لتحويل الفراغ السياسي إلى بهرجة إعلامية؟
وعندما ينتهي الشهر، ربما ستسأل الصحف الجزائرية نفسها سؤالًا أكثر إلحاحًا: “كم مرة يمكننا تكرار نفس العنوان: الجزائر تقود العالم؟