بكائيات حميد المهداوي ومن يُناصره تؤكد ضمنيا تورطه في واقعة التشهير بعبد اللطيف وهبي (كاريكاتير)
دائما ما يلجأ الجُناة إلى العويل والنحيب درءا لسوءتهم أو لصرف نظر الآخرين عن ما قد يكشف تورطهم فعليا في المنسوب إليهم. فيما مضى كان نطاق البكائيات ودغدغة مشاعر المتعاطفين لا يتعدى حدود المكان سواء أكان منزلا أو حيا أو قرية أو ما شابه، حيث ينخرط الجاني ومن يناصره من أقارب أو معارف بدهاء في التفكير في منفذ يُجَنِّبُ “عزيزهم” المتابعة القضائية وما يترتب عنها من وصم “سوابق” تُرافقه العمر كله. هنا، ومن تحكمهم الأصالة والتقيد بالأعراف المجتمعية، يجدون عزائهم في ما يُصطلح عليه بالعامية “نرميو عليه لعار”، أي التقدم نحو المُشتكي ومحيطه بما تيسر من “قوالب السكر” طلبا للصفح والغفران وتجديد الود تحت شعار التماسيح والعفاريت “عفا الله عما سلف”.
اليوم، وقد انتقل بث خطاب المظلومية والقفز على الواجب إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فإن البعض يُصبغ على شخصه مسميات وظيفية يؤطرها القانون، من قبيل صحافي أو محلل سياسي، وينخرط بمقتضاها في سيل من النقاشات السريالية تنتهي بانتهاك الحياة الخاصة للأشخاص وجرهم لمحاكمة شعبوية جوفاء بصك اتهامات دون سند قانوني أو أدلة دامغة.
والحديث هنا تدور رحاه بالضرورة حول ملف حميد المهداوي الذي يواجه حكما ابتدائيا حُدد في سنة ونصف حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 150 مليون سنتيم، على خلفية بثه لادعاءات ووقائع كاذبة من أجل التشهير بالأشخاص، القذف، والسب العلني، بناء على الفصول 443، 444، و447 من مجموعة القانون الجنائي. المُشتكي هنا وهو وزير العدل عبد اللطيف وهبي، ليس إلا رجل قانون في الأصل ويملك بناصية النصوص القانونية المؤطرة لشتى مناحي التعاملات بين بني البشر.
وعوض الانكباب على إعداد دفوعات شكلية وموضوعية تعينه استئنافيا على الطعن في صحة الحكم الابتدائي، لم يكن ممكنا أن يخرج “لحلايقي” حميد المهداوي عن خط رفقائه من أبناء الطابور الخامس، ممن يزفون بعضهم البعض إلى غاية بوابة السجن لأن معرفتهم بالقانون لا تتجاوز حدود هاجسهم “المخزن يستهدفني”.
وإذاك الحال، جَدَّدَ منذ النطق بالحكم السالف ذكره، حراس معبد حقوق الإنسان بالمغرب الوصل مع عقيدتهم “الدعم اللامشروط” وسخروها في سبيل تعداد مناقب خصيم عبد اللطيف وهبي. بل منهم من انتظر أن يدخل حميد المهداوي في شنآن مع مسؤول حكومي حتى يُسدل على شخصه وصف “الصحافي المقتدر”، بينما حتى عهد قريب لم يكن يلتفت لخطابه إلا لينعته ﺑ “المهرج”. وهنا لا يمكن للمرء إلا أن يفهم حقيقة راسخة مفادها أن “المفلسين حقوقيا” لا يُكَرِّمُونَ بعضهم البعض إلا وهم على أعتاب المحاكم أو السجون. أهو تكريم مستحق فعلا أم “صواب الأزمات” يتبادلونه فيما بينهم لمحاولة التخلص من ثقل المتابعات؟؟.
وبالموازاة مع تعاضد مكونات “جوقة العدميين”، على الضفة الأخرى، ينشط صاحب الشأن بنفسه على مختلف المنصات الاجتماعية داعيا “خوتو لمغاربة” لأن لا ينساقوا وراء الحكم الصادر في حقه، وأن يطمئنوا لأن المهداوي بريء براءة الذئب من دم يوسف. إن المغاربة مطالبين اليوم أن يتصالحوا مع التشهير والنيل من الآخرين بغير وجه حق لمجرد أن الجاني يمنحهم “شو شعبوي” على مدار الأسبوع، يخدرهم به ويعدهم بأن الفساد والمفسدين لا يرضخون إلا بهكذا ممارسات تنهل من ثقافة “شرع اليد” والبلطجة الافتراضية، ولا يتذكر حميد أنه صحافي وله مدونة للنشر والصحافة ينضوي عمله تحتها إلا والقضاء يبث فيما صدر عنه من تشويه السمعة والسب والقذف في حق المُشتكي.
وتأسيسا على ما سبق، كان بوسعنا أن نطمئن قلب حميد المهداوي بالقول أن بعض “قوالب السكر” وثقافة “رمي العار” قد تفي بالغرض وتجنبه المتابعة القضائية، لاسيما وأن الأخير يتعامل مع الشعب المغربي كرهينة لديه يوظفها كذراع يحتمي خلفه لمخاطبة النيابة العامة ومؤسسة القضاء. وكم كنا لنسعد لو استطعنا إقناع الطرف المُشتكي ﺑ “عفا الله عما سلف” حتى يتسنى للمهداوي أن يستمر في إمتاع “خوتو لمغاربة” بمزيد من فيديوهات تقريع الأشخاص والمؤسسات باعتماد ازدواجية العباءة “حلايقي في الميدان وصحافي في ردهات المحاكم”.