موسم الهجرة الجماعية نحو الشمال.. احتياج اجتماعي أم اجتياح مطبوخ في الكواليس
لعل من طبيعة الإنسان أنه مجبول على ديمومة الحركة والتنقل في أرض الله، إما بحثا عن غد أفضل أو شغفا بالهجرة لما تقدمه من إمكانية استكشاف ضِفَافٌ أخرى من الكرة الأرضية. وبين حاجة اجتماعية ملحة وحس المغامرة، يستقر في أذهان المهاجرين “المؤهلين” بأن المغانم منها تغلب المَغَارِمْ كما يقال.
أما على نطاق أوسع وأكثر رحابة، فإن المهاجرين المؤهلين، سواء من ذوي التكوينات الأكاديمية العالية أو أصحاب الحرف الصناعية، فإن هاته السواعد ما أن تحل بأرض المهجر حتى تُسهم في إعلاء شأن دول الاستقبال وترفع راية أوطانها عاليا، لأن المهاجر-وهاجسه إثبات الذات- لا يدخر جهدا في تسريع عملية اندماجه داخل مجتمع الاستقبال حتى يصير عضوا فاعلا وفعالا. بل ويُطلب بالاسم أحيانا إما لتحوزه على مهارات متميزة أو نبوغه في مجال تخصصه.
العينات التي أتينا على تصنيفها من مهاجرين مؤهلين، لم نرى لها تمثيلا بين مراهقي وشبان الفنيدق، المدفوعين بعنفوان الشباب الطائش والفاقد لأي مؤهل عِلمي أو عَمَلي يُعينه على الإبحار نحو الضفة الأخرى كي يُفيد ويَستفيد. لقد تقاطر على مدن الشمال، منذ أمس الأحد 15 شتنبر 2024، شباب يعانون من هشاشة فكرية تجعلهم فرائس طيعة في يد من صنعوا لأنفسهم وذويهم حياة اجتماعية مريحة داخل البلاد ويدفعون بالصبيان نحو مصير مجهول.
ولأن الغاية تبرر الوسيلة، فإن عُصاة الوطن على استعداد لبدل الغالي والنفيس مقابل إفراغ الهرم السكاني بالمغرب من فئة فتية في طور التكوين أو البحث عن المسالك المؤدية له. إنهم يزكون أنفسهم ويصفون عيشهم داخل الوطن ﺑ “المرير” كي يرموا بالشباب في البحر ليغالب أمواجه العاتية أو أسلاك الحدود الشائكة. لقد مدوهم بفتوة الهجرة الجماعية دون أن يدلوهم على طريقها الآمن والشرعي. إنهم لا يتمنون لهم غد أفضل، بل غايتهم المقيتة كما قلنا آنفا، هي إفراغ الهرم السكاني المغربي من فئته الفتية.
شاهدناهم أمس والقلوب تعتصر، يركضون عكس بعض، يركضون عكس الطبيعة والزمن والمكان والفطرة. إنهم يركضون هربا من توقيف محتوم وإبعاد عن الحدود الواجب توقيرها لما توفره لنا كمغاربة من أمن وحماية من أي توغل أجنبي غاشم. وبفضل من يؤمنون بمقولة “الزن على الودان أمر من السحر” وفق قول الأشقاء المصريين، تحرك شبابنا “الهائج” بفعل فاعل، في شكل سراديب نحل استقرت على التل وراحت ترقب الوضع عن كثب تأهبا لأي توغل سريع ذات غفلة من السلطات المرابطة هناك.
مشهد اجتمعت فيه جملة من المتناقضات، شباب هائج وفتيات قيل أنهن أمهات يحملن الصبية على ظهورهن، ثم أطفال غير مرافقين. نعم، لقد تفاجأت السلطات العمومية بالأطفال يستعدون للإبحار نحو مصير مجهول. إنهم مغاربة دون السن القانوني، فكيف لعقولهم أن تستوعب ماهية الهجرة، أكانت شرعية أو غير شرعية؟!. ألم نقل أنهم يريدون تقويض الهرم السكاني للمغاربة؟!. ثم، ما بالنا ونحن مندهشون من المسعى والخطى الماكرة، أولم تعج مظاهرات العدل والإحسان بشأن نصرة مزعومة لفلسطين، قبل هذا التاريخ، بأطفال محملين على الأكتاف يرددون شعارات لا يمكن لعقل طفل فتي أن يتبين مضامينها ؟؟ ومن قد ينسى إقحام أطفال وتلاميذ الفنيدق بشكل قسري، عام 2021، في احتجاجات اجتماعية عن طريق شحنهم بالحقد والكراهية وحملهم على تبني رؤى ومواقف ظاهرها اجتماعي وباطنها سياسي “إسلاموي” مقيت؟!!.
ولكل ما سبق، نؤكد لمتزعمي الخراب الاجتماعي أن المغرب لن يقف أبدا خاويا على عروشه كما يصبون لذلك. بل لن تنتهي البلاد أسيرة في خنادقهم الافتراضية التي يرسمون داخلها الخطط ويوزعون الأدوار، قبل أن ينزلوا إلى أرض المعركة لمحاولة تحريك الثوابت وزعزعة المستقر في القلوب والنفوس والضمائر. أما مسعاكم المتمثل في “خليه حتى ينسا ونعاود نهجم” فهو مجرد تكتيك يشدهم إلى المحاولة تلو الأخرى حتى لا يفقدوا الأمل في تركيع محتمل للبلاد ولمؤسساتها الصامدة.