فؤاد عبد المومني.. الطريق إلى أرض اليساريين الجديدة تبدأ ﺑ “إعادة الترابي للمغاربة” (كاريكاتير)

يبدو أن الكثيرين يتوعدون المغاربة. يبدو أن الكثيرين يُريدون أن يُشَكلوا مغاربة جدد على مقاسهم. بل ويظهر جليا أن المغاربة لا ينقادون بسهولة. فبين من ينعتنا ﺑ “المداويخ” ومن يعتزم أن “يعاود لينا الترابي”، ظهرت فئة أخرى تنتمي هذه المرة إلى جوقة العدميين. إنها طائفة أخطر من سابقيها، إنها تنكب بلا هوادة على وضع اللبنات الأساسية لإقامة دولة يسارية جديدة. وحتى لا يُتْرَكَ المغاربة في مواجهة لحظة إدراك غادرة، ارتأى فؤاد عبد المومني، مستكشف أرض “الخلاص” الواعدة أن لا يُثقل كاهلهم بشروط مجحفة لولوج أرضه والتنعم بالعيش داخلها، غير أن يكون المرء يساري الهوى والتنشئة والانتماء، وأن يُقْبِلَ بصدر رحب على مفهوم الانعتاق عبر بوابة الخيانة. ومن هنا يتأتى لنا استيعاب شفافية الرجل وهو يتوجه بخطاب شديد اللهجة إلى السيد المصطفى الرميد، وزير العدل وحقوق الإنسان الأسبق، يسأله الوضوح والحزم في تحديد موقفه. هل يقبض على جمرة وطنيته الحقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أو يحزم حقائبه بدوره ويقصد أرض اليساريين الخصبة؟!.

لقد أطلقت أرض اليسار الجديدة شارة الإنذار لإثارة النعرات بين أبناء الوطن الواحد، معلنة أن زوال النظام المغربي هو مسألة وقت ليس إلا، وأن المغاربة قاب قوسين من أن يصيروا حُفاة وعُراة، بلا أرض تؤويهم ولا هوية وطنية واضحة تميز وجودهم. وآنذاك، وبصفتهم لاجئين تائهين بين الأمم، لن يرضى وطن أن يحتضنهم غير بلاد اليساريين، حيث الانحلال الأخلاقي والتفكك الأسري والفسق بشتى تمظهراته تُعتبر منظومة القيم الوطنية المشكلة لهوية أرض اليساريين الجديدة. وعلى من يسعوا إلى الخلاص من تبعات إسقاط النظام أن يحزموا حقائبهم ويدخلوا دولة فؤاد عبد المومني برجلهم اليمنى أمنين، ليبدؤوا فصول حياة ماجنة يستأسد فيها منطق الغاب ويغيب عنها القانون الجاثم على أنفاس مواطنيها القادمين جلهم من الطابور الخامس.

إننا عايشنا وعِشنا وتعايشنا سنوات طوال مع خروقات اليسار الراديكالي بالمغرب، وقيدنا النفس بالتزام الحياد في التعاطي مع كل ما يصدر عنه إيمانا منا بأن الاختلاف في الروئ والتوجهات تبقى ظاهرة صحية تحافظ على نوع من التوازن والتنوع داخل المجتمع الواحد، وتُنشأ أجيالا قادرة على الانخراط بأريحية في النقاش العمومي بفضل التعددية الفكرية والسياسية. غير أن التنوع انقلب في غفلة من المجتمع، إلى تطرف فكري وسياسي صرنا معه محاصرين بشرذمة من المتكالبين على الوطن، يقبضون بالعملة الأجنبية بغاية جلد الهوية الوطنية تحت مسمى تقديس الحريات اللامشروطة. أليست هذه أماني ومخططات بقايا اليسار المتهالك التي يريد من خلالها رد المعروف وشكر السدة العالية بالله على عفوه السامي الصادر في حق عدد من الصحافيين والنشطاء المتابعين في قضايا الحق العام؟ أكنا لننتظر صدور العفو الملكي على بعض الصحافيين وصغار مزارعي القنب الهندي كي نكتشف أن اليسار يريد أن يهدم البلاد فوق رؤوسنا؟ حتما لا، لطالما وضع اليسار “العصا في الرويضة” كمساهمة منه في النقاش العمومي. ولطالما اشتبك اليسار ورموزه مع النظام القائم لأنه لا يستجيب لتصوراتهم الهدامة للهوية الوطنية.

وإذاك الحال، لا يمكن أن نمني النفس بأن تتملك الغِبطة والسرور قلب أبناء اليسار وهم يرقبون عن كثب خروج المعفى عنهم من السجن. ولا نستطيع أن نقول -ولو سهوا- بأن فؤاد عبد المومني ناضل من أجل هذه اللحظة. بينما نجرم بأن الرجل ناضل باستماتة حتى يظل الأضناء في زنازينهم. لأن في استمرار محنتهم استمرار لمنحته. وكأي خادم خدوم رجاءه الوحيد هو “نطلب الله يشرب سيدي باش نشرب”. وهذا مبتدى ومنتهى حكاية أي خائن مُسْتَعْبَد من طرف الخارج المهووس بالمغرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى