الصحفي يونس دافقير يكتب: “هوس بالأمن المدر للدخل”

هناك انشغال حد الهوس، بين صناع الفرجة الجدد، بمسؤولي الأجهزة الأمنية المغربية، ويمكن لأي متابع أن يلاحظ أن الأمر، في الغالب الأعم، يتجاوز واجب التتبع والنقد المواطن، إلى البحث عن تدمير تلك المكانة والصورة التي نحتت بجهد ومتابرة شاقين.

بل إن هذه الأجهزة تكاد تكون الشغل اليومي لكثير من صناع أفلام الخيال غير العلمي في اليوتيوب، وكأن الفكرة تقول ان من لم تنل منه مؤامرة بيغاسوس. والدعاوى الفارغة لبعض مبتزي الدولة، يمكن إسقاطه في فخاخ النصب “الخقوقي”، أو إسقاطه في شبكات المخدرات واغتيالات افلام جيمس بوند.

والحق يقال ان اسماء الأمنيين المغاربة وأجهزتهم صارت مصدرا ليس للدخل فقط، بل الثروة أيضا، الجمهور وليس الرأي العام، يحب أفلام الإثارة، تلك التي تدور حول الألغاز والغموض، المخابرات و الشرطة، الشخصيات والأفعال المبنية للمجهول، كلما توغلت القصة في هذه الدهاليز زاد الأدسنس، وزاد الهوس بأن تسير الركبان بذكر المزاعم.

كي تنجح القصة لابد من ان يكون فيها عبد اللطيف الحموشي مدير الأمن الوطني والديستي، ياسين المنصوري مدير المخابرات الخارجية، وكي تشتعل أكثر لاضير من إضافة قليل أو كثير من محمد عبد النبوي رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية ولحسن الداكي رئيس النيابة العامة، وربما سيكون مثيرا أحيانا إقحام عنصر من الجيش ولو كان على مرض، بل حتى لقجع الرياضة والميزانية يمكن استدعاؤه لهذه الحفلة التنكرية.

يدفع الإقبال على الفرجة، وليس الإقتناع بما يعرضه الحلايقية الجدد في الديجيتال،، منتجي افلام “جيمس بوند” في نسختها الكاريكاتيرية المغربية إلى تصعيد الفبركة، وزيادة توابل الإثارة، يحدث ذلك في اللحظة التي يشعرون فيها بأنهم ذوو قيمة لما يعمدون إلى تسمية قصص البؤس والتدليس التي يعرضونها “معارضة” و “صناعة رأي” و “وجهة نظر”.

ومن دون تقديس للأشخاص أو جعلهم فوق قاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة، أو تحصينهم من المواكبة الإعلامية من جانب السلطة المضادة، ينبغي أن نتفق اليوم على أن هناك تضخما غير عادي في استهلاك الشخصيات الأمنية من خارج الصحافة والإعلام، إنها حاضرة بشكل يومي في المنتج المرئي والمسموع المنفلت من كل رقابة ومسؤولية، وكأن القاعدة تقول اليوم أنه إن أردت دخلا وجمهورا بأي ثمن، وبإفلات من العقاب: احجز لك تذكرة طائرة وميكروفون وكاميرا،ثم اقصف ولاتبالي.

في المغرب دولة قانون ومؤسسات يرأسها ملك، لكن حمقى اليوتيوب يتوهمون ويبيعون عن سوء نية أننا في “جمهورية أمنية”، و “دولة البوليس”، الأمر بسيط جدا، كل من ارتكب حادثة سير شخصية مع القانون، يتحول إلى ” معارض” يصفي حساباته على مطية الدولة ورموزها، ومن لم ترقه صفة ” معارض” يلبس قناع “الصحفي”.

وليست صفتا الصحفي والمعارض هما من تعرضتا للتمييع بالاستغلال البشع في سوق أفلام الأكشن الجديدة، هناك تسيب في الحقل الحقوقي أفرز لنا ذوي حقوق مواطنة فوق العادة: أولئك المكلفين بتوزيع صكوك الغفران الديمقراطي، وجعل الأمن الحيوي للأمة طاحونة معاركهم السياسية.

سبق لعاهل البلاد أن أجاب عن هذه المسألة بوضوح في أسمى خطبه؛ خطاب العرش لسنة 2017. الأمن يقوم بأدواره المهنية لاغير، في وحدة عضوية والتزام بالقانون.

هذا المقطع من توضيح رئيس الدولة مفيد في سياقنا الحالي:

” ويعرف المغاربة بأن أصحاب هذه الأطروحة المتجاوزة يستغلونها كرصيد للاسترزاق ، وكلامهم ليست له أي مصداقية، وكأن الأمن هو المسؤول عن تسيير البلاد، ويتحكم في الوزراء والمسؤولين، وهو أيضا الذي يحدد الأسعار إلخ …
في حين ان رجال الأمن يقدمون تضحيات كبيرة، ويعملون ليلا ونهارا، وفي ظروف صعبة، من أجل القيام بواجبهم في حماية أمن الوطن واستقراره، داخليا وخارجيا، والسهر على راحة وطمأنينة المواطنين وسلامتهم.

ومن حق المغاربة، بل من واجبهم أن يفخروا بأمنهم، وهنا أقولها يدون تردد، أو مركب نقص: إذا كان بعض العدميين لايريدون الاعتراف بذلك، أو يرفضون قول الحقيقة، فهذا مشكل يخصهم وحدهم”
لاضير في ان نعترف بأن مؤسساتنا الأمنية، كما في العالم كله، يوجد على رأسها بشر يخطئ ويصيب، وهي منفتحة على النقد والتقويم من هذا الجانب، لكنها أيضا قصة نجاح وطنية عابرة للحدود، هذا امر تقدره امريكا وتعترف به فرنسا اسبانيا المانيا وإخواننا في افريقيا …

ولاضير أيضا أن نلاحظ، أنه وفي القضايا الأخيرة المعروضة على القضاء، هناك تزايد في الطلب المجتمعي على الوظيفة الأمنية: طلب التدخل من أجل سلامة السياسة وحماية الديمقراطية من أعدائها الجدد: تجار الموت العابر للقارات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى