الجزائر تواري سوءاتها الدبلوماسية بانتصار “وهمي”

تعيش الجزائر في الوقت الراهن أجواءاً من الاحتفال والتفاخر “المفرطين” و ذلك بعد نيلها منصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي في شخص سفيرتها في إثيوبيا، سلمى مليكة حدادي، بعد تفوقها بفارق ضئيل عن نظيرتها المغربية لطيفة أخرباش.

و رغم أن مليكة حدادي صرحت بعد ظفرها بهذا المنصب أن الصلاحيات الكاملة تبقى في يد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، الجيبوتي محمود علي يوسف، أي أن مهامها لا تعدو عن كونها مهام استشارية لا غير، أصرت الأبواق الدعائية للجارة الشرقية على تصنيف هذا الحدث ضمن خانة “الفتح العظيم”.

و يرى عدد من المراقبين والمحللين السياسيين أن هذا الإنجاز الذي “تطبل” له مختلف الوسائل الإعلامية في الجزائر ما هو إلا انتصار “زائف”، جاء نتيجة لتطبيق سياسة معروفة باسم “دبلوماسية الحقائب”، وهي استراتيجية تقوم على تقديم امتيازات ومساعدات مالية أو اقتصادية لدول أخرى مقابل تأييدها ودعمها في مواقف انتخابية حاسمة، تتخذ فيها هذه المنح أشكالًا متعددة، من تقديم قروض أو مساعدات اقتصادية إلى دعم مشروعات مشتركة أو تسهيلات سياسية في مجالات أخرى.

و يُعتبر هذا النوع من الدبلوماسية بمثابة أسلوب غير شفاف يسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية على حساب قيم المنافسة النزيهة والمفتوحة، فعلى الرغم من أن الجزائر قد تمكنت من الفوز بالمنصب، فإن هذا التفوق “المزعوم” لا يعكس بالضرورة القوة الفعلية أو التأثير الحقيقي للجزائر في الساحة الإفريقية، بل قد يشير إلى أنها تمكنت من تحقيق هدفها بناءا تحالفات قصيرة الأمد قائمة على المصالح المتبادلة و ليس بفضل استراتيجيات دبلوماسية راسخة أو علاقات قائمة على التأثير القوي.

إضافة إلى ذلك، فإن هذا النهج الذي تعتمده دولة البترول و الغاز من شأنه أن يؤدي إلى تداعيات سلبية على سمعتها في الساحة الدولية، فالعديد من الدول الإفريقية قد ترى في هذا النوع من التصويت نتيجة للنفوذ المالي أو السياسي بدلًا من تقييم حقيقي للقدرات والتأثيرات السياسية، مما يبين أن الجزائر صارت في نظر الكثيرين دولة تعتمد على التلاعب بالتحالفات وتوزيع المساعدات لتحقيق أهدافها السياسية، بدلاً من أن تكون قوة دافعة حقيقية للتغيير في الاتحاد الإفريقي كما روجت لذلك سابقا.

هذا الحدث الذي اعتبر بمثابة عيد وطني في الجزائر، لا يمكنه أن ينسينا التراجع الكبير لهذه الأخيرة في الساحة الإفريقية و الإخفاق المستمر في الانضمام لعدد من التكتلات أبرزها منظمة “البريكس“، و هذا بسبب عدم قدرتها على تطوير سياسة دبلوماسية فعالة ومستدامة، حيث أصبح تأثير الجزائر قاريا أقل مقارنة بدول أخرى مثل المغرب، مصر ونيجيريا الذين استطاعوا بناء تحالفات قوية وفرض أنفسهم على المستوى السياسي والاقتصادي و العمل على إطلاق مبادرات و مشاريع تسعى لتنمية إفريقيا.

و لمن لا يعرف الجزائر، فإنها و لعمري من أشد الدول العاشقة لإثارة “الزوابع” والاحتفاء بالمجد المصطنع، خاصة عندما تنال منصبًا في منظمات أو هيئات دولية يكون المغرب منافسا مباشرا لها، ففي كثير من الأحيان، يكثر التهليل و السرور عندما تتسلم الجزائر هذا المنصب، لكنها في الواقع لا تقدم أي مواقف حاسمة أو قرارات فعالة تؤكد جدارتها أو تعكس قدرتها على التأثير في مجريات الأمور.

لذلك، لا يغرنكم ما يروج له نظام “لا وزن و لا هيبة” من انتصارات دبلوماسية، و لا يفتننكم ما تزعمه الجزائر من ريادة في العالم العربي والإفريقي، فالحقيقة أن تأثيرها في القضايا الإقليمية والدولية بات محدودًا للغاية، و الواقع يشير إلى غياب دورها الفعلي في صنع القرارات المصيرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى