عبد الله بوصوف يكتب: ”المغرب تغير فعلا ولكن ليس كما يريدون”

عبد الله بوصوف: خبير في العلوم الإنسانية

 

نحتفل كغيرنا من الدول العريقة بأهم المحطات التاريخية، ونجعل منها نقط بدايات جديدة ومنطلقات رحبة لبناء مستقبل واعد للمواطن وعقيدة راسخة للدفاع عن مقدسات الوطن. لذلك، فإننا نعتبر احتفالنا بكل الملحمات الوطنية مصدر إلهام وثورات مستمرة ومتجددة نحو الأفضل.

لكن خطاب الثورة الجديد ليوم 20 غشت 2021، يحمل خصوصيات متفردة وإجابات واضحة على العديد من الأسئلة التي طبعت المدة الأخيرة، والتي كانت تهدف إلى النيل من صورة المغرب بالخارج عبر تقارير حقوقية مشبوهة منجزة من طرف منظمات دولية ليست سيدة قرارها، كما أصبحت تلك المنظمات كدكاكين لتقارير وتوصيات تحت الطلب، الهدف منها هو عرقلة الخط التصاعدي للمغرب في مجالات الإصلاح والتنمية.

كما أكد خطاب الثورة الجديد مرة أخرى أن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، وأنه ماض في بناء علاقاته مع شركائه، التقليديين والجدد، حسب المعادلات الجيو-استراتيجية الجديدة وبعقلية جديدة تقطع مع العقلية الكولونيالية البائدة، لأن المغرب قادر على تدبير مقدراته واستثمار موارده وطاقاته لصالح مواطنيه دون وصاية خارجية ودون إملاءات أو ضغوط توصيات وتقارير جاهزة ومتجاوزة من طرف منظمات ثابتة في عدائها للمغرب.

وهو ما شكل مصدر إزعاج لبعض الدول التي انخرطت في تنظيم حملات مسعورة وتوظيفها لمؤثرات ضخمة وإطلاق أخبار زائفة (فايك نيوز) لتوريط المغرب في مشاكل وخلافات مع بعض الدول، ومن خلال الزج بالأجهزة الأمنية المغربية في حملات لتشويه صورتها القوية والفاعلة في الحفاظ على أمن واستقرار الوطن، وكذا في عمليات التنسيق والدعم على المستوي الإقليمي والدولي، وهو ما يشهد به الخصوم قبل الأصدقاء.

والحديث عن العلاقات القوية والمتوازنة وتجديد تعريف مفاهيم المصالح المشتركة مع تحديد سقف عدم المس بالمصالح العليا للمغرب مع دول الجوار، هو العنوان الجديد للخروج من الأزمة غير المسبوقة مع الجار الإسباني؛ إذ يقول الخطاب الملكي: “لم يكن هدفنا هو الخروج من الأزمة فقط، وإنما أن نجعل منها فرصة لإعادة النظر في الأسس والمحددات التي تحكم هــذه العلاقات”، كما يبشر الخطاب، وبتفاؤل كبير، بمواصلة العمل مع حكومة سانشيز في تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة في العلاقات بين البلدين على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل والوفاء بالالتزامات.

وحمل الخطاب أيضا توضيحا حول قوة الالتزام ومتانة علاقات الشراكة والتضامن الفرنسية/المغربية، وتأكيدا لروابط التقدير والاحترام المتينة التي تجمع بين جلالة الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

لكن مرد كل هذا التفوق في وقت الشدة والأزمات والتهديدات وكل هذه الانتصارات الديبلوماسية وتحدي مكائد الخصوم وأعداء الوحدة الوطنية والترابية، هو اللُحْمة الوطنية وعراقة الدولة المغربية الممتدة لاثني عشر قرنا، فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل، حيث تتولى أمورها ملكية مواطنة منذ أزيد من أربعة قرون في ارتباط قوي بين العرش والشعب.

ولأن خطاب الثورة الجديد، هو موعد جديد مع انطلاقات جديدة ومسيرات متجددة، فقد ذكرنا بالاستحقاقات الانتخابية المقبلة (شتنبر 2021) وبأهمية توقيت إجرائها وبأفُق تنزيل توصيات النموذج التنموي الجديد وكذا تفعيل الميثاق الوطني من أجل التنمية، وهو ما يجعل منها بالفعل استحقاقات تاريخية من جهة، وتأكيدا لعمق الممارسة السياسية ونضج البناء السياسي المغربي من جهة ثانية.

فالمغرب قد تغير بالفعل، لكن ليس كما يريدون، وسيواصل مسيرته التنموية رغم انزعاج الأعداء وحسد الحاقدين. سنواصل الدفاع عن مصالحنا العليا ومقدساتنا الوطنية أحب من أحب، وكره من كره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى