الصحيفة الأمريكية “فورين بوليسي”: هكذا يسعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى تقسيم أوروبا لإنقاذ فرنسا وإنعاش اقتصادها الفاشل

قالت صحيفة “فورين بوليسي” الأميركية، أن خطط إعادة تشكيل الاتحاد الأوروبي وفق منظور فرنسا، قد لقيت مقاومة شديدة وأبانت عن فشلها.

ووفق الصحفية، فإنه “في عام 2017، وضع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رؤيته الكبرى لدور فرنسا في مستقبل أوروبا. واقترح ماكرون حلاً لتكوين “أوروبا قوية” وقادرة على قيادة العالم، من خلال بناء اتحاد أوروبي مركزي بنموذجٍ سياسي واقتصادي واجتماعي مشترك. أي إنه كان يتحدث عن إعادة تشكيل الاتحاد الأوروبي برؤيةٍ فرنسية، وتغليفه بفكرةٍ أخرى “شديدة الفرنسية” تتمثل في بناء تكتل مستقل عن الولايات المتحدة استراتيجياً”.

وتابعت ذات الصحيفة أنه “لحسن حظ الاتحاد الأوروبي، أدّت الأحداث التي وقعت خلال العام الماضي إلى حرمان معظم الدول الأعضاء الـ 26 الأخرى من صحة ورغبة آراء ماكرون المتمحورة حول فرنسا”، لذلك، “أدّى سوء تقدير ماكرون لأفعال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتنازله عن أيّ دورٍ فرنسي كبير في مواجهة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا إلى تقويض الثقة في فرنسا في جميع أنحاء الكتلة”.

وقالت الصحيفة أن “إخفاق فرنسا على الساحة الأوكرانية لم يُحفز النخب الفرنسية المعروفة بتجانسها، على إعادة تقييم السياسة الأوروبية. بل يبدو أن العكس هو ما حدث في الواقع. إذ إن ماكرون محاط بفكرٍ جماعي يتمحور حول الدور الفرنسي في أوروبا، ولهذا يظل غير راغب أو غير قادر على إعادة تصور موقع فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي -الذي تغيّر حاله بعد الهجوم الروسي”.

وأشارت صحيفة “فورين بولسي” إلى أنّ “أحدث دليل على سوء تقدير ماكرون هو محاولة فرنسا المتجددة لفرض نموذجها الاقتصادي الدولي على الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي، والسبب الظاهري هو قانون خفض التضخم الأميركي”.

وبالنسبة إلى ماكرون ودعاة الحماية الفرنسيين في المفوضية الأوروبية، تُعدّ هذه فرصة لفرض دوافعهم المناهضة للمنافسة والمناهضة للناتو على بقية الكتلة، فسياسات ماكرون جعلت الانفصال بين فرنسا والاتحاد الأوروبي يتعمّق.

ومن الواضح اليوم أنّ رؤية ماكرون لما يُسمى بالحكم الذاتي الإستراتيجي الأوروبي تحطّمت واحترقت في أوكرانيا. وبدلاً من قيادة أوروبا إلى عصرٍ مجيد من الاندماج، يعمل ماكرون على توسيع الانقسامات ذاتها في أوروبا بعدما حذّر منها عام 2017.

وحول كيف يستغل ماكرون حلفاءه الأوروبيين، قالت الصحيفة أن “حليف ماكرون الفرنسي المقرب ومفوض السوق الداخلية الأوروبية، تيري بريتون، طليعة الجهود الرامية لاستغلال المخاوف الأوروبية من قانون التضخم الأمريكي. وتهدف تلك الجهود إلى دفع رؤية باريس لاستراتيجية صناعية تدخلية قائمةٍ على الإعانات. حيث تسعى فرنسا إلى استغلال تلك المخاوف للتغلب على مقاومة بقية الدول الأعضاء، عن طريق ربط استراتيجية باريس بمخاوف الأوروبيين من قضاء المنافسين الأمريكيين عليهم، ومخاوفهم من التخلف عن ركب التحول الأخضر”.

ولطالما كان بريتون صريحاً في الترويج لفكرة إنشاء “صندوق سيادي أوروبي”، حيث يستهدف توفير “دعم الميزانية السريع والمباشر والمرن للمشروعات المعروفة، من أجل خدمة مصالح سيادة الاتحاد الأوروبي في أي قطاع من مختلف أنشطتنا الصناعية”.

ولن يكون هذا الصندوق السيادي أكثر من مجرد تفويضٍ مفتوح للاستدانة، بغرض تمويل تدخلات الاتحاد الأوروبي في جميع أرجاء القاعدة الصناعية بالقارة. وكأننا أمام الاستراتيجية الفرنسية المعهودة، ولكنها ترتدي ثياباً جديدة، وتقترح السماح للساسة والبيروقراطيين باختيار أبطال وطنيين من الشركات في كل صناعة، بحسب وصف المجلة الأمريكية.

ويقول المقترح الفرنسي: “ليست هناك سيادة في غياب الأبطال المحليين”. وإذا كان هناك من يؤمن بإمكانية نجاح هذا المقترح، فعليه أن ينظر إلى سجل باريس الطويل من الإخفاقات المُكلّفة عندما حاولت أن تلعب هذه اللعبة. إذ بدأ الأمر بمحاولة تحويل شركة Groupe Bull إلى بديلٍ فرنسي لشركة IBM في مطلع التسعينيات، وانتهى بإخفاق مشروع “الزبادي الاستراتيجي” من شركة Danone عام 2005.

وتتفق المراكز البحثية، وخبراء سياسة المنافسة، والأكاديميون، وقادة الصناعة الأوروبية على أن نهج تقديم الإعانات الفرنسي لتحقيق التنافسية هو مجرد وهم -وخاصةً في غياب المنافسة الحقيقية والتغيير الهيكلي البنّاء. ولا شك أن هذا النهج يمثل استجابةً غير منطقية وغير متناسبة لقانون الحد من التضخم الأمريكي، فضلاً عن أنه لا يحل المشكلات الأوسع التي تعانيها الصناعة الأوروبية في العديد من القطاعات عالية التقنية.

ويُمكن القول إن مصير المقترح الفرنسي هو الفشل وسط اقتصاد القرن الـ21 القائم على الابتكار، لكنه دفع بالدول الأخرى إلى التشكيك في دوافع ماكرون أيضاً. إذ إن نهج باريس يعكس مشاعر عدم الأمان الاقتصادي الفرنسية في المقام الأول. حيث وصل الدين العام الفرنسي إلى نحو 120% من إجمالي الناتج المحلي (أي ضعف الرقم المسجل في ألمانيا تقريباً)، بينما تستنزف الضرائب 47.3% من الناتج الاقتصادي (في ثاني أعلى عبء ضريبي داخل الاتحاد الأوروبي)، كما بدأت تنفد أموال فرنسا اللازمة لاستمرار نموذجها الاقتصادي في تمويل الدولة الكبرى.

ومن المؤكد أن هوس باريس بالإعانات الصناعية يعكس معاناة قطاعها الصناعي، الذي لا يمثل اليوم سوى 11% من الإنتاج الصناعي داخل الاتحاد الأوروبي فقط (مقارنةً بـ27% لألمانيا و16% لإيطاليا).

ولا بد أنه من الواضح الآن أننا لسنا أمام خطة كبرى للوحدة الأوروبية كما يوحي بها خطاب ماكرون التصعيدي. بل هي محاولةٌ واضحة للوصول إلى أموال الاتحاد الأوروبي، من أجل دعم القدرة التنافسية للصناعات الفرنسية المتعثرة على الساحة العالمية.

وتقول المجلة الأمريكية إنه بات من الواضح أن شفافية الخطة الفرنسية، ونهج باريس الشرس لفرضها على المستوى الأوروبي، قد تركا ماكرون دون حلفاء سياسيين حقيقيين داخل الكتلة. بينما يعاني ماكرون من انهيار الثقة فيه بسبب تذبذب موقفه من أوكرانيا، ورفضه تولي أي دور بارز في تأمين أوروبا الشرقية والدفاع عنها.

لهذا يُمكن القول إن مقترحات الإعانات كشفت عزلة فرنسا المتزايدة داخل الاتحاد الأوروبي. حيث أعلنت سبعة من الدول الأعضاء معارضتها أي اقتراضٍ إضافي لتوفير الإعانات الصناعية بواسطة الاتحاد الأوروبي. وتجددت الضغوطات الفرنسية الألمانية لتوفير الإعانات الصناعية خلال قمة المجلس الأوروبي الخاصة، التي عُقِدَت في بروكسل يوم 9 من فبراير. لكن تلك الضغوطات قوبلت بمعارضة المزيد من الدول الأعضاء في الاتحاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى