لماذا يثير الملك محمد السادس غضب الدولة الفرنسية العميقة إلى هذا الحد؟

كشفت مصادر مطلعة، أن مجموعة من الصحفيين والمصورين الفرنسيين اجتمعوا، أمس الثلاثاء، أمام مقر إقامة الملك محمد السادس في باريس، حيث تكاثرت الصور واللقطات، ما بنبئ بهجوم جديد إعلامي ضد المغرب.
فعلى ما يبدو قد أثار الملك محمد السادس غضب الدولة العميقة في فرنسا، لأنه أعطى توجيهاته من أجل الاستقلال في الاختيارات والشراكات، ما يشكل جريمة وإهانة كبيرة لبعض الأطراف في فرنسا التي لا تريد أن يشكل المغرب نموذجا للنجاح لبلدان أخرى في أفريقيا دون مساعدة القوة الاستعمارية السابقة.
فالمغرب تمكن من إدارة شؤونه بمفرده بطريقة ناجحة، وقد زاد من شراكاته في عدد من القضايا، خاصة في أوقات الأزمات.
ويتذكر البعض، بما في ذلك فرنسا على وجه الخصوص، الإدارة المثالية للممكلة المغربية خلال جائحة كورورنا، حيث أن هذا النجاح المغربي دفع عدداً من المحللين والسياسيين في فرنسا إلى الجرأة على مقارنتها بالكارثة الحقيقية التي حلت بإدارة الرئيس ماكرون، لا سيما على صعيد توفر الكمامات الصحية.
الآن بينما تواصل الأبواق التابعة لقصر الإليزيه بالهجوم على المغرب، تعمل المملكة بهدوء وكفاءة على إدارة كارثة زلزال الحوز. وهذا يكفي لإسكات العديد من المشككين في فرنسا الذين تساءلوا كيف يمكن للمغرب الذي يُنظر إليه على أنه في مؤخرة التنمية أن يتمكن من “المضي قدماً دون مساعدة فرنسا”. لكن ما “في الوقت نفسه” يفتح الباب على مصراعيه بالانتقادات التي لا أساس لها من الصحة ضد هذه الإدارة الفعالة للملك محمد السادس.
وسائل الإعلام الفرنسية غاضبة جدا من إيمانويل ماكرون لأنها تحمله مسؤولية رفض المساعدة التي قام بتقديمها إلى المغرب، حيث اعتبرها ”ضربة الأسبوع” بامتياز.
ففي يوم الأحد 10 شتنبر المنصرم، حيث كان يشارك في قمة مجموعة العشرين، ألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنفسه كلماته، معلنًا أن فرنسا مستعدة “للتدخل” لمساعدة المغرب، حيث قال: “السلطات المغربية تعرف بالضبط ما يمكن تسليمه، وطبيعته وتوقيته. وبمجرد طلب هذه المساعدة، سيتم منحها ونحن جاهزون. والآن، من الواضح أن الأمر متروك للسلطات المغربية لاتخاذ القرار بناءً على تقييمها على الأرض، بحيث يتم تنفيذ الأمر بشكل جيد”.
لم ما يتوقعه الرئيس الفرنسي، لكن في نفس الوقت لم يبالي، ودفع بحماقاته إلى درجة مخاطبة المغاربة مباشرة، ولف الحبل على رقبته عند تجاوزه للبروتوكول المعمول به، بمخاطبته الشعب المغربي وتخطيه لملكهم، حيث قال في مقطع فيديو نُشر على “شبكة X” : “نحن إلى جانبكم اليوم وغدا”. وقد أجابته الرباط بالصمت خاصة أنها لم توافق على هذه الطريقة التي انتهجها ماكرون، ليأتي الويب المغربي للتنديد بما وصفه البعض، على أقل تقدير، ب”التطفل”.
وما لم تفهمه بعض الأطراف في فرنسا هو أن المساعدات التي قدمتها دول مثل إسبانيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة وقطر والمغرب قبلتها على أساس مقاربة عقلانية ووفقا لاحتياجاتها الحقيقية. إن قبول أي مساعدة مقترحة كان من شأنه بالضرورة أن يؤدي إلى خلق الفوضى والازدحام الذي كان من الممكن أن تشكل على منطقة الحوز كارثة حقيقة، لكونها مناطق جبلية ونقاط الوصول إلىى الأماكن المنكوبة ضيقة ومتعرجة. فالعديد من الدول، مثل الولايات المتحدة وألمانيا، التي سارعت إلى تقديم دعمها، أدركت ذلك جيدًا. لكن ليس فرنسا، لم تستوعب أبدا الأمر، فأظهرت رد فعل هستيري عبر وسائل إعلامها مما أدى إلى زيادة الهجمات الشخصية ضد الملك محمد السادس، المذنب في نظرهم بإظهار الاستقلال في مواجهة القوة الاستعمارية السابقة.
وقد شرعت وسائل الإعلام الفرنسية في سباق نحو الدناءة، حيث عملوا على نشر الادعاءات القذرة حول الحياة الخاصة للملك، وغياباته المزعومة، متجاهلين حتى أساسيات أسلوب حكم الملك، الذي لا يرغب في الكلام والتصريحات التي لا تتجسد من خلال الا من خلال العمل الذي يسهر عليه خاصة أثناء الأزمات.
إن هذه الطلقات الجماعية ضد الملك لا تهم المغاربة، الذين يحبون ملكهم ويرتبطون بشدة بالملكية. ومن جهة أخرى، سيكون لها أثر دائم وضار على العلاقات بين باريس والرباط، وستزيد من تعزيز المغرب في خياراته الاستراتيجية وفي توطيد العلاقة مع شركائه الذين يحترمون سيادته.